للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب" ١.

فنحن إذن أمام أفراد وأمام شركاء كانوا يتعاملون بالربا، أي: قرض المال في مقابل جر مغنم منه, وقد حصل هؤلاء المرابون على أموال طائلة منه. أضف إلى ذلك أنهم كانوا تجارًا، يسافرون إلى الخارج ويربحون من تجارتهم هذه ربحًا حسنًا.

ولضبط المدين الآخذ بالربا، كانوا يكتبون الدين ورباه في صحيفة، يكتب كاتبها اسمه فيها، ويكتب فيها اسم المدين وإقراره بدينه للدائن، وبمقدار الزيادة. والغالب أنهم كانوا لا يذكرون أصل الدين، بل يذكرون الرقم الذي يبلغه هذا المبلغ مع فائضه مضافا إليه، حتى يظهر الفائض وكأنه جزء من رأس المال. ويشهد على صحة العقد شاهدان؛ ولهذا لعن الرسول آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه٢.

وكان "أبو لهب" من أصحاب المال بمكة ومن المرابين, ذكر أنه كان قد لاط "العاصي بن هشام" بأربعة آلاف درهم، فلما وقعت معركة بدر استأجره بها على أن يجزئ عنه بعثه، فلم يخرج "أبو لهب" مع من خرج من رجال قريش. وكان "العاصي" قد أفلس، فلم يتمكن من دفع المبلغ ورباه، فتنازل "أبو لهب" عنه على أن يخرج إلى بدر في مكانه٣. وفي سورة "تبت" إشارة إلى أن "أبا لهب" كان ملَّاكًا ذا مال وقد كسب كثيرًا.

وقد كان أهل يثرب يقترضون المال والطعام من اليهود في مقابل ربا فاحش. فورد أن أنصاريًّا اقترض ثمانين دينارًا من يهودي، وقد أعطاه ربا بلغ خمسين في المائة من المبلغ لسنة واحدة٤. وقد وبخهم القرآن لأخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل٥.


١ المصدر نفسه.
٢ البخاري "٥/ ٥٠"، الترتيب والبيان عن تفصيل آي القرآن "٢/ ٢٣٤"، عقود الجواهر "٢/ ٣٣"، تيسير الوصول "١/ ٦٨"، مسند الإمام أبي حنيفة "ص١٥٨".
٣ الروض الأنف "٢/ ٦٢".
٤ البخاري، بيوع "٣٤/ ١٤"، Watt, Muhammad at Medina, p. ٢٩٧
٥ تفسير الطبري "١/ ١٧ فما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>