ولا نستطيع أن نأتي بتأريخ ثابت معين عن مبدأ فرض الضرائب الزراعية والضرائب الأخرى في العربية الجنوبية، ولا في أي مكان آخر من جزيرة العرب؛ لعدم ورود نصوص جاهلية عن ذلك. ويظهر أن ما نسميه بالضرائب، كان في بادئ أمره صدقة يدفعها المتمكن عن نفسه وعن أمواله؛ قربة للآلهة وزكاة لنفسه ولأهله ولأمواله، لترضى عنه الآلهة، ولتمن عليه بالصحة والعافية. ومن هذا القبيل النذور، التي كان يكثر منها الإنسان في السابق, فكانت تكوّن موردا حسنا من موارد الحكومة والمعبد. فلما ظهر الملوك، وصارت الحكومة حكومتهم، فرضوا ضرائب إلزامية لتكون واردًا يموّن الملوك وحكومتهم بما يحتاجون إليه من مال ونفقات.
والضرائب عالية في الغالب، بالنسبة إلى المزارعين المالكين لأرضين صغيرة, وللمزارعين الذين يشتغلون بأجور أو يستغلون الأرض بعقود, فعلى هؤلاء دفع عوائد أخرى إلى سادتهم أصحاب الملك، وإلى رجال الدين الذين يطالبون المزارعين بدفع زكاة زرعهم لهم قسرًا، فلا يبقى لدى هؤلاء من غلتهم إلا النزر اليسير الذي لا يكاد يكفيهم. فعاش الفلاح في ضنك من العيش, وهذا مما أثر على الوضع العام للدولة بالطبع.
أما كبار الملاكين وسادات القبائل والأشراف، فلم يكونوا يدفعون إلى حكومتهم إلا جزءًا صغيرًا من دخلهم الذي يحصلون عليه من الزرع؛ فقد كانوا يتحايلون عليها في تقدير غلاتهم، كما كانوا يحملون المزارعين والمستأجرين لأملاكهم وأفراد قبيلتهم العبء الأكبر في دفع الضرائب. فقد كانوا هم الذين يقومون بجمع الغلة وتوزيعها وإفراز حصة الحكومة وحصة المعبد والحقوق الأخرى المترتبة على المزارع. فكانوا يتناولون حصصهم كاملة وزيادة، ويحملون مزارعيهم ومن يشتغل في خدمتهم دفع حصة الحكومة والمعبد، فلا يقع عنهم من باقي الحصة إلا الشيء القليل, يقع ذلك والحكومة عارفة به، ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئًا؛ لنفوذ كبار الملاكين وسادات القبائل وسلطانهم على أتباعهم الموروث من العادة والعرف.
ولضمان تحصيل حصص الحكومة من الزرع، كان جباة الضرائب يأتون المزارع، فيأخذون ما قدروه وخرصوه من خيار الزرع ويتركون الباقي للفلاح. وقد يثبتون حصة الحكومة عند حلول أوان التقدير ويعينونها، فإذا حان وقت