للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع الحاصل، جاءوا فأخذوا غلة ما عينوه, ويقولون لهذا الذي تأخذه الحكومة من الغلة "رزم"١. يأخذونه وهو بعد على الأرض، قبل نقله إلى موضع التجميع والتخزين.

والمزارع الصغير مغبون في كل شيء، وكذلك الفلاح. كان على المزارعين والفلاحين أن يبدءوا عملهم بالاستدانة من وكلائهم الذين يتوكلون عنهم في تصريف حاصلهم أو من رب الأرض، فيحملونهم ربا الدين ويتحكمون عندئذ في أمورهم، ويحصلون منهم على ربح يؤثر عليهم، حتى إذا انتهى الموسم، أو حال الحول وجد هؤلاء أنفسهم وقد أثقلتهم ديونهم، وتكاثرت عليهم التزاماتهم، وقد صاروا تابعين لأصحاب الأرض، لا يستطيعون ترك أرضهم إلا بعد ترضيتهم وتسوية ديونهم.

وكما يفعل بعض الناس في الزمن الحاضر من التهرب من دفع الضرائب بمختلف الطرق، كذلك يهرب الناس في الجاهلية من دفع الضرائب إلى الحكومات، بالرغم من العقوبات الصارمة التي فرضت على المتهربين والمخالفين, وفي ضمن ذلك الاستيلاء على الحاصل الزراعي كله، وتهديم المذاخر التي قد يخفى فيها الحاصل, وتهديم أملاك صاحبه. ونجد في أحد النصوص أن من يخفي حاصله ولا يدفع ما عليه, ويخفيه في القنن -جمع قنة "قنت"، أي: المخازن- ويتستر عليه، فإنه يصادر عليه ويؤخذ منه، بل يُستولَى على كل ما يعثر عليه في المزرعة ويتلف، ويعاقب بالقتل أيضا٢.

أما بالنسبة إلى الضرائب الزراعية عند أهل العربية الغربية أو أهل المواضع الأخرى من جزيرة العرب، فلا نملك نصوصًا جاهلية عن هذا الموضوع, ولكنا نجد في القرآن الكريم وفي كتب التفسير إشارة إليها. ورد فيه: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ، وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ٣, وورد: {وَهُوَ الَّذِي


١ تاج العروس "٨/ ٣١٠ وما بعدها"، "رزم".
٢ REP. EPIGR. ٢٨٦٠, Tome, V, p. ١٩٢
٣ سورة الأنعام، الرقم ٦، الآية ١٣٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>