للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه؛ فكانت من جملة المشكلات الاجتماعية التي تعرضت لها حكومات جزيرة العرب في ذلك العهد.

وجاء في أحد النصوص المعينية: "كل معنم حرم وأجرم"، أي: "كل معين أحرار وأجراء", ويقصد بـ"كل معين" كل شعب معين١؛ فقسم هذا النص شعب معين إلى أحرار، وإلى أجراء, وهم أكثر حرية من "الأدم"، أي: "العبيد" والرقيق؛ لأنهم يشتغلون بأجر وبعقود يتفقون عليها، فإذا انتهى العقد أو حصل خلاف، جاز للأجير الانتقال إلى موضع آخر، أو إلى صاحب محل آخر للعمل لديه، على حين لا يجوز للعبد فعل ذلك؛ لأنه ملك يمين.

ومن أجراء الزراعة أجراء "المحاينة"، يؤدون خدماتهم موسم الحصاد، وينالون أجرهم في مقابل حصاد الحصاد، حسب ما اتفق عليه. فهم يحصدون الزرع وينقلونه مع سنبله إلى موضع تجميعه٢, ويكون ذلك في المزارع الكبيرة التي تحتاج إلى أعداد كبيرة من حُصَّاد الزرع.

واليمن، هي في مقدمة أجزاء جزيرة العرب في الصناعة، ولا نكاد نجد في جزيرة العرب مكانًا يسبقها فيها. وهي الأولى في الإنتاج أيضا, وقد عرفت منتجاتها في كل موضع من بلاد العرب. وهي المكان الوحيد فيها، الذي زادت صادراته فيه على وارداته، وكان مستواه المعاشي فيه أعلى من المستوى المعاشي لبقية أجزاء جزيرة العرب, وكان مستهلكًا ومنتجًا، لحاجته إلى الاستهلاك. ثم هو المكان الوحيد، الذي نجد فيه التمايز الطبقي، والعنعنات الطبقية واضحة ظاهرة؛ لتباين الظروف المعاشية التي عاشت فيها طبقات المجتمع؛ فأسياد أغنياء، وطبقات وسط، وطبقات فقيرة معدمة لا تجد رزقها إلا بشق الأنفس.

ولم تبرز صناعة اليمن في نوع واحد أو في صنف معين، بل برزت في كل نوع من أنواعها المعروفة في ذلك العهد، والتي دعت الحاجة إلى ظهورها، والتي وجدت موادها الأولية فيها, مثل صناعة الحديد, واستخراج المعادن وتحويلها إلى مصنوعات، والتجارة, والحياكة، والدباغة، والأصباغ والصموغ، وغير ذلك من صناعات اشتهرت اليمن بها وارتبط اسمها بها.


١ النقش رقم ٥، الفقرة ٣ من كتاب خربة معين "ص٥".
٢ تاج العروس "٩/ ١٨٨"، "حين".

<<  <  ج: ص:  >  >>