للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالعراق. وهذه هي مشكلة من جملة المشكلات التي أثرت في الاقتصاد العربي وفي الحياة الاجتماعية، وإن كانت قد أخذت تخف في هذه الأيام.

ولم يكن العرب وحدهم ينظرون إلى الحرف والمشتغلين بها نظرة ازدراء، بل كانت شعوب العالم كلها تقريبًا تنظر إلى طبقة أصحاب الحرف مثل هذه النظرة؛ لأن الحرف هي من أعمال الطبقات الدنيا من سواد الناس الرقيق والموالي, أما الحر فلم يخلق لها ولم تخلق له. كذلك كانت نظرة قدماء اليونان إلى هذه الحرف؛ لأنها عندهم من الأعمال التي يقوم بها سواد الناس ورقيقهم١.

وهذه الحرف لم يختص بها الجاهليون وحدهم، بل كانت عامة معروفة ومتداولة عند جميع الشعوب لتلك العهود, وهي لبساطتها وبداءتها متشابهة، لا تجد اختلافًا في آلاتها وأدواتها المستعملة عند الشعوب. فأدوات النجار تكاد تكون واحدة، سواء أكانت عند النجار العربي الجاهلي، أم النجار العبراني، أم النجار النبطي, وكذلك قل عن أدوات الحداد والصائغ وغيرهما من الطبقات العاملة التي ترتزق وتعيش على هذه الحرف التي تعتمد على اليد.

ونجد في كتب اللغة والأدب وأمثالها ألفاظًا عديدة معربة، استعملها أهل الجاهلية وذلك بتعريبها ونقلها من أصول أعجمية معروفة، فيها الفارسي والآرامي واليوناني واللاتيني والحبشي والنبطي. وهي مما يدخل في باب الآلات والأدوات والمآكل والملابس والبيت والثقافة والعلم، دخلت العربية؛ لأنها كانت مصطلحات متداولة عند أهلها معروفة، أخذها العرب منهم باحتكاكهم وبتأثرهم بهم، وقد صقل بعضها وهذب ووسم بسمة عربية، وأدخل على بعض آخر بعض التعديل ليتناسب مع أسلوب النطق العربي، وقبل بعض آخر على نحو ما كان في أصله واستعمل في العربية, حتى صار في ظن من لا وقوف له على العربية أنه عربي صميم.

والألفاظ المعربة التي نعنيها قديمة، دخلت قبل الإسلام بمئات السنين, وقد استعملتها الألسن وتداولتها، وصارت بهذا الاستعمال ألفاظًا عربية مستساغة, ومنها ما هو مستعمل حتى الآن. وجمع هذه الكلمات وضبط معانيها وتبويبها وتصنيفها، عمل مهم نافع أرجو أن يتهيأ له أصحاب العلم والاختصاص، فبها


١ Hastings, p. ٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>