للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر "الطبري" في تأريخه حديثًا يرجع سنده إلى رسول الله، في أبناء نوح، زعم أن الرسول قال: "سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش" ذكره بصور مختلفة، فيها تقديم وتأخير، أو زيادة في بعض الألفاظ. ويتصل أسانيد هذا الحديث بمختلف صور رواياته إلى سند واحد، هو: "سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن الرسول"١.

وهناك أحاديث وردت في موضوع نسب عدنان، فيها نهي عن تجاوز ما وراء ذلك، وهي وأمثالها يجب أن تكون موضع دراسة مستقلة حقا؛ لنرى سلاسل سندها، ومقدار قربها أو بعدها من حديث الرسول. فعلى مثل هذه الدراسة نستطيع أن نبني أحكامًا في موضوع رأي النسابين في نسب العرب في أيام الرسول.

ولا بد لي هنا من التنبيه على أن "محمد بن إسحاق بن يسار" صاحب المغازي والسير، هو -كما قلت مرارا- من الآخذين عن أهل الكتاب، الراوين عنهم٢, وكان يسميهم أهل العلم الأول. وهم بالطبع من هذه الناحية أعلم من غيرهم بأمور التوراة والإنجيل، بحكم كونهم يهودًا أو نصارى؛ ولهذا نجد المؤرخين والأخباريين يروون ما ورد من قصص توراتي ومن أنساب توراتية عن "ابن إسحاق"، فهو إذن أحد الناشرين للإسرائيليات بين المسلمين. والقصص الإسرائيلي الذي نشره، ليس في الواقع قصصا إسرائيليا صافيا خاليا من الكدرة، بل هو متفاوت في درجات النقاء والصفاء؛ فيه العكر، وفيه ما هو قريب مما جاء في التوراة، وفيه ما هو مطابق لما جاء في "العهد القديم"، فهو نقي صافٍ. ويعود سبب هذا الاختلاف إلى الموارد التي استقى منها "ابن إسحاق" علمه, ففيها منابع كانت ذات علم ووقوف على كتب أهل الكتاب، وفيها موارد مدعية أو ليس لها حظ من العلم، وإنما تحدثت إليه على نحو ما كان شائعا بين أهل الكتاب، وبينها موارد استباحت الكذب، ادعاء للعلم ولأسباب أخرى، ومن هنا اختلفت موارد "ابن إسحاق" في درجات النقاء والصفاء.


١ الطبري "١/ ٢٠٩"، "دار المعارف".
٢ الإكليل "١/ ٣١".

<<  <  ج: ص:  >  >>