للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذا صار عماد الأكل الجاهلي والتمر واللبن والسمن والدقيق المصنوع من البر أو الشعير والشحوم والعسل، وذلك عند أهل الحضر في الغالب، والجراد والأقط. وإذا دققنا في قائمة المأكولات الجاهلية، رأينا موادها لا تتعدى هذه الأشياء، وهي تختلف باختلاف خلط هذه المواد وباختلاف مزجها وطبخها, ولكنها كلها لا تخرج عن حدود الأشياء المذكورة.

ونجد في قائمة مأكولات أهل الجاهلية أكلات تقوم على استعمال الدقيق في الطبخ, من ذلك الحساء: وهو طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن, وقد يحلَّى ويكون رقيقًا يحسى١.

وقد يستعمل الدقيق مع الحليب، بأن يطبخ، ومن ذلك الحريرة: الحساء من الدسم والدقيق، وقيل: هو الدقيق الذي يطبخ بلبن؛ وقيل: الحريرة من الدقيق, والخزيرة من النخال٢. وقد عرفت قريش بإكثارها من أكل أكلة عرفت بـ"سخينة"، ولاكثار قريش من أكلها عيّرت بها حتى قيل لها: "سخينة". والسخينة: أكلة ارتفعت عن الحساء وثقلت عن أن تُحسى، وهي طعام يتخذ من الدقيق دون العصيدة في الرقة وفوق الحساء، وذكر أنها دقيق يلقى على ماء أو لبن فيطبخ, ثم يؤكل بتمر أو يحسى، وقيل: تعمل من دقيق وسمن. وذكر أن الناس يأكلون السخينة في شدة الدهر وغلاء السعر وعجف المال٣.

ويذكر أهل الأخبار أن أول من لقب قريشًا بـ"سخينة" "خداش بن زهير"، حيث يقول:

يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرمُ

فذهب ذلك على أفواه الناس حتى كان من التمازح به ما كان بين معاوية بن أبي سفيان وبين الأحنف بن قيس التميمي، حين قال له: ما الشيء الملفّف في البجاد؟ فقال له: السخينة يا أمير المؤمنين، أراد معاوية قول الشاعر:


١ اللسان "١٤/ ١٧٧".
٢ اللسان "٤/ ١٨٤".
٣ اللسان "١٣/ ٢٠٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>