للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا الخبز، فقيل في المثل: "أقرى من آكل الخبز", وكان من الأجواد١.

وفي كتاب الأغاني: أن كسرى قال كلامه المذكور المتقدم إلى غيلان بن سلمة، وهو من ثقيف، وكان قد جاء مع أبي سفيان في تجارة إلى العراق. وقد خاف أبو سفيان من الفرس ومن احتمال مصادرتهم أموال تجارتهم، فتقدم غيلان ودخل مع الداخلين إلى بلاط كسرى، وتحدث معه، فأعجب كسرى به، وأخذ يسائله حتى سرّ منه، فاشترى منه تجارته، وقال له ذلك القول المذكور، وكساه، وبعث له معه من الفرس من بنى له أُطمًا بالطائف، فكان أول أُطم بني بها"٢.

وفي المآدب الكبيرة يكون "الثريد"، هو الطعام الرئيسي. ويهيأ بسلق قطع اللحم الملقاة في الماء، وقد يضاف إليه البصل والحمص، فإذا سلق اللحم ونضج وتولد منه مرق، ألقي مع مرقه على الخبز المثرود في قصع وصحاف، ليأكله المدعوّون. والثريد من الأطعمة المحببة إلى نفوس أهل مكة والحجاز, وقد قدم "أبرهة" الثريد إلى الجنود والفعلة الذين أتموا سد مأرب، وذلك يوم الاحتفال بانتهاء العمل. وقد يقابل ذلك ما يقال له "سلوق" و"سليقوت" عند العبرانيين٣. وقد أشير إلى الثريد في قصة ذهاب "هاشم بن عبد مناف" إلى بلاد الشام، والتقائه بهرقل، وتثريده لمن معه ولأهل مكة.

ولازدراء العرب ممن يزرعون البقول والخضر، أحجم الناس عن زراعتها، فقلَّ وجودها في مطابخ أهل الحضر. أما أهل البادية، فإن مآكلهم تكاد تكون خلوًّا من الخضر المطبوخة؛ لندرة الخضر في البادية، ولأنها تحتاج إلى لحم، وهو نادر في البادية أيضًا. ثم إن الطبخ المعقد لا يناسب الحياة في الصحراء؛ لهذا كان المطبخ الجاهلي، مطبخًا يكاد يكون مستغنيًا عن الخضرة المطبوخة باللحوم. لا يستثنى من ذلك إلا السادة المتصلون بالروم وبالفرس وأهل اليمن، والأغنياء من أهل المدن والقرى، فقد كان في إمكانهم الحصول عليها، ومن هنا استعملوها في الطبخ، يطبخونها مع اللحم.


١ مجمع الأمثال "٢/ ٧٣"، بلوغ الأرب "١/ ٨٦ وما بعدها".
٢ الأغاني "١٢/ ٤٦".
٣ Ency. Bibli., Vol., I, p. ٨٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>