للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه الكتابات أخذ معظم علمنا بتأريخ اليمن القديم.

ويظهر أن أهل الحجاز لم يكونوا على شاكلة أهل اليمن في بناء البيوت الضخمة من الحجارة والمواد البنائية الأخرى التي يعمّر بها البناء عمرًا طويلًا، بدليل ما نشاهده في اليمن وفي مواطن أخرى من الجزيرة العربية من بقايا معابد ومبانٍ ضخمة، وعدم وجود شيء من ذلك في الحجاز، وبدليل ما أورده أهل الأخبار من قصص عن مباني اليمن العادية، وما شاهدوه من بقاياها في أيامهم هناك، وهي تتحدث عن فن عمراني متقدم، على حين خلت أخبارهم من هذا القصص عن الحجاز، بل يظهر منها أن أكثر أبنية مكة ويثرب لم تكن إلا أبنية صغيرة ضيقة، أكثرها من اللبن أو الطين، وقد عرشت بجريد النخل وبالعيدان وبالأخشاب المحتطبة من التلال والجبال. وقد عرفت بيوت أهل الحاجة في مكة بـ"عروش مكة"١.

وقد امتازت "يثرب" عن مكة بوجود "الأطم" بها، والأطم، هي قصور تتكون من طابقين في الغالب، أو ثلاثة طوابق، تكون ضخمة نوعًا ما يعيش فيها سادتها، وتكون حصونًا لأهل المدينة يتحصنون بها عند دنو خطر عليهم، ويحمون أموالهم بها. وقد بنيت بالآجر وباللبن أحيانًا، وبالطين أحيانًا أخرى، حيث تجعل الجدر عريضة، لتقف صامدة أمام الدهر وأمام المهاجمين، وتتخذ في أعلى الأطم مواضع يقف عليها المدافعون لرشق المحاصر بالسهام، أو بالحجارة، وبصب الماء الحار أو النار عليه إن قرب من جدار الأطم. وقد اتخذت الأطم في يثرب، لعدم وجود سور حولها يحميها من الأعداء، ولكونها مكشوفة، لا تحميها حواجز طبيعية، يتحصن بها أهل المدينة عند دنو الخطر منهم، فلم يجدوا أمامهم من وسيلة سوى بناء هذه الأطم للدفاع عن أنفسهم، على نحو ما فعل أهل الحيرة في مدينتهم، حيث بنوا القصور.

وتوجد في أعالي يثرب إلى فلسطين بقايا حصون وقصور ومواضع قديمة، كانت آهلة عامرة، أما الآن فلم تبق منها غير بقية آثارها، وهي لا تزال مادة "خامًا" لم تكتشف، ولم تدخلها بعثات علمية منتظمة، وتشاهد عندها بعض


١ المغرب "٢/ ٣٧"، "عروش مكة، بيوتها؛ لأنها كانت عيدانًا تنصب ويظال عليها"، شرح القاموس "٤/ ٣٢٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>