وقد عثر المنقبون على لبن جاهلي في أماكن متعددة من جزيرة العرب. وقد كان أهل الحجاز يستعملونه في أبنيتهم، لم ينفردوا بالطبع في ذلك وحدهم، بل كان يفعل ذلك كل الجاهليين، وقد بني مسجد الرسول باللبن. وكان الرسول ينقله مع الناقلين وهو مختلف الحجم. بعضه واسع ثخين، وبعضه متوسط أو صغير. ويكثر استعماله في الأمكنة التي تقل فيها الحجارة، وتتقلب على طبيعة أرضها التربة الطينية، فيكون من السهل على أهلها إقامة أبنيتهم باللبن بارتفاعات مختلفة تبعًا لمتانة البناء ورغبة صاحب البناء في الارتفاع. وقد عثر على آثار قلاع وحصون وأسوار بنيت باللبن. ويمكن لمثل هذه الأبنية البقاء مدة طويلة، لجفاف أجواء الشرق الأوسط وقلة الأمطار فيه، ولا سيما إذا كانت ذات أسس وقواعد وجدر ثخينة وفي أماكن جافة بعيدة عن رطوبة الأرض.
أما الطابوق، أي: الآجر، فيتكون من طبخ اللبن في الكورة, أي: الأتون، أو بتكديس اللبن طبقات وصفوفًا، ووضع الوقود بينها، فإذا اشتعلت النار يصلد اللبن ويشوى فيكون آجرًا. وطريقة صنع الآجر بإحراق اللبن في الأتون، لا تزال شائعة معروفة في جزيرة العرب. وهي طريقة صنع الطابوق عند الفراعنة والسومريين والأشوريين والبابليين وغيرهم من الشعوب.
ولم يكن في استطاعة الفقير بناء بيته باللبن أو بالطابوق، بل كان يشيد بيته بنفسه بالطين، فيقيم جدره بالطين طبقة طبقة، إذا جفت طبقة وضع فوقها طبقة أخرى، وهكذا، ويسقف بيته بالأغصان، وبسعف النخل، ويضع فوقها طبقة من الطين لتخفف عنه وهج الحر في أيام الصيف، وتمنع عنه سقوط المطر عليه عند نزوله. أما الأعرابي فلم يكن له بيت دائم، لا من الآجر ولا من اللبن، بل كان بيته خيمة تنتقل معه حيث يشاء، يستظل بها وينام تحتها، فهي بيته الحقيقي.
ويقوّى الطين الذي يصنع منه اللبن أو تقام به جدر البيوت أو تفرش به سقوف البيوت بالتبن، يخلط مقدار مناسب منه بالتراب، ثم يعجن الخليط ويترك مدة حتى يختمر، ثم يستعمل عندئذ، فيكون أقوى وأدوم بقاء من اللبن أو الطوف المصنوعين من التراب الصرف. وهذه الطريقة معروفة أيضًا عند العراقيين والمصريين وعند غيرهم من الشعوب في العهود القديمة ولا تزال مستعملة عند