للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعربي الجنوبي متفنن بطبعه مذواق، لم يكتف بهندسة الحجارة وصقلها وتزيينها، بل اهتم بالألوان كذلك وبالمظاهر الخارجية للبناء، فاتخذ الحجارة الملونة للبناء، وكوّن منها مناظر متعددة الألوان، محاكاةً للطبيعة، وتأثيرًا على النظر. وبنى جدران قصر غمدان من حجارة ذات ألوان مختلفة، فبنى سافًا بالحجارة البيضاء، وبني سافًا آخر بحجارة سُود، وبنى سافًا ثالثًا بحجر أحمر، وسافًا آخر بحجر أخضر١ وهكذا، وذلك إمعانًا في التفنن وفي التزويق ولا شك، وكسا السقوف والأبواب والأعمدة وبعض الجدران بصفائح الذهب والفضة وبالحجارة الكريمة وبسن العاج والأخشاب الغالية الثمينة، فأكسب البناء روعة وجمالًا وخشوعًا. ونجد ذلك في المعابد وفي القصور٢.

واستعمل المعمار العربي الجنوبي الرخام لإكساء أوجه الجدران أو في فرش أرض الغرف والمعابد ليكسبها بهجة وجمالًا، واستعمله ألواحًا رقيقة تزخرف بالصور والنقوش، لتعبر عن مباهج الحياة، كما استعمل ألواحًا رقيقة شفافة منه لتكون مكان الزجاج المستعمل في النوافذ في وقتنا الحاضر. ولا يزال أهل اليمن يستعملون الرخام المرقق في نوافذهم، توارثوا ذلك عن آبائهم وأجدادهم، وهو يعطي النافذة رونقًا وجمالًا لا يتوافران في الزجاج.

وتكون النوافذ والشبابيك في جدار الغرفة المطل على صحن الدار. أما الجدر المقامة على الطرقات والأزقة، فتكون خالية منها وذلك لئلا ينفذ منها اللصوص أو الأعداء إلى الدار، وليمنع المارة من التطلع إلى داخل الغرف والبيوت. أما البيوت المرتفعة المكونة من طابقين فأكثر، فقد حليت بالنوافذ، ومن هذه النوافذ ما كان يصنع من الخشب ومنها ما كان يصنع من الحجارة، ولا سيما الرخام. وجعل العربي الجنوبي الطوابق العليا مواضع للدفاع عند الحاجة، ولا سيما في الأماكن المنعزلة النائية، وجعل لمزارعه مواضع مرتفعة مبنية أو من الأخشاب أو على الأشجار لمراقبة من يحاول السرقة وسلب الفلاح ثمار أتعابه.

والنافذة ضرورية جدًّا بالنسبة للأبنية العالية التي عرفت بها العربية الجنوبية،


١ "D. H. Müller, Burgen und Schl?sser, I. S. ٣٤٨.".
٢ "Strabo, X, ٧٧٨, Hand. Der alter, altir., I, S. ١٤٦.".

<<  <  ج: ص:  >  >>