للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعامل الثقل وبهذه الطريقة تقام الجُدُر، ويجري ذلك في المباني الضخمة الكبيرة التي تستعمل فيها الصخور. وأما أوجه الجدر من الداخل فقد تملج بمادة كالجص لتجعلها مُلْسًا ناعمة، وبذلك تسد الفرج بين محال اتصال الصخور.

واستعملت في مبانٍ أخرى المواد البنائية التي توضع بين الآجر والصخور الصغيرة والحجارة لتثبيتها ولضمان تماسكها. ومن هذه المواد: الجص والطين والكلس، وقد تكحل الفواصل التي بين الأحجار بالكلس وبالجص لسدِّ الفرج بينها وللزينة أيضًا. وأما الجدر الداخلية فتكسى بطبقة لتجعلها جميلة مُلْسًا على نحو ما يفعله أهل اليمن وما يفعله غيرهم في الزمن الحاضر. وقد وجدت البعثات الأثرية التي نقبت في العربية الجنوبية بقايا جدران بيوت، وقد كسيت بطبقة ملساء من الجص, تدل على مهارة البناء في ذلك الوقت. وقد تزخرف المواضع البارزة من الجدار بزخرف يصنع بقوالب خاصة توضع عليها المادة اللينة التي يراد زخرفتها، فإذا جفت رفع القالب عنها، فتظهر بارزة بالحفر التي تكون حولها.

وتكسى الجدر الخارجية للبناء بالجص والكلس في بعض الأحيان. فإذا كسيت بالجص، ظهرت بيضًا ترى من مسافات بعيدة، جاء في شعر لعدي بن زيد:

شاده مرمرًا وجلله ... كِلْسًا فللطير في ذراه وكسور١

وقد ورد الجص لغة، والعرب تسميه القصة٢.

ولم يكتفِ المتفنن العربي الجنوبي بإقامة الأبنية فحسب، بل استخدم الحجارة للتعبير عن شعوره وعن خواطره، ينحتها على الصخور ويبثها على ألواح الحجر. وإذا كان العربي الصحراوي قد عبر عن شعوره وعن خواطره بالشعر ينظمه أبياتًا أو مقاطع أو قصائد، يسر نفسه بها, ويسر الآخرين، فقد عبر العربي الجنوبي عن مشاعره وخواطره بنوع آخر من الشعر، هو الشعر المادي المتمثل في البناء وفي النحت والتصوير بالإضافة إلى الشعر المعروف الذي لم يترك لنا أثرًا مكتوبًا منه ويا للأسف.


١ الكامل "١/ ٥٩".
٢ شمس العلوم "جـ١ ق٢ ص٢٧٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>