للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعبس"١، وهو يوم دارت فيه الأيام دورتها على الأوس، فقُتل منهم عدد كبير، وانهزم أكثرهم إلى بيوتهم وآطابهم، حتى خرج الناس من طوائفهم إلى مكة يستعينون على الخزرج، وذكرهم بأيامهم الأخرى٢. كل ذلك بلهجة عنيفة شديدة، ليس فيها لين ولا رفق, إنه ينظر إلى الخزرج نظرة عداء وحقد، نظرة تشعر منها أن الأوس جنس وأن الخزرج من جنس بعيد آخر. لقد ذكر قريشًا بخير، وذكر أنها ستحمل عنهم حرب الخزرج، وذكر أنهم لو التحقوا بأبرهة اليماني أو بنعمان أو عمرو٣، لنالوا من هؤلاء كل تقدير، ولجعلوا لهم جاهًا أي جاه.

ذكر أبرهة حاكم اليمن، وذكر غسان ولخمًا، وذكر أهم من ذلك كله قريشًا على أنها ستحمل الحرب وستقابل الخزرج عما قريب. وقريش من عدنان، والأوس والخزرج من قحطان، ولم نجد في شعره ما يذكر برابطة النسب بين الخزرج والأوس, ولم يرد في شعره اسم قحطان أو عدنان. والقصيدة التي ذكر فيها هذا اليوم هي من أقدم قصائد هذا الشاعر الذي اضطرت قبيلته "الظفر"، ومعها "عبد الأشهل" إلى مغادرة يثرب والتفتيش عن حليف يساعدها في العودة إلى ديارها، فذكر قيس قريشًا، وكأنه يذكر قبيلة قريبة من قبيلته٤، مع أنها من نسب آخر في رأي النسابين.

وفي كتب الأدب والدواوين شعر كثير ينسب إلى شعراء جاهليين وشعراء مخضرمين وشعراء إسلاميين، فيه هجاء عنيف من شاعر قحطاني لقبائل قحطانية، ومن شاعر عدناني لقبيلة عدنانية، وفيه مدح وفيه إغراق من شاعر قحطاني لقبائل عدنانية، وهجوم عنيف على القحطانيين، وهكذا. ولو أردنا شرح ذلك وسرد الأمثلة، لأخذ ذلك منا وقتا طويلا يخرجنا عن صلب الموضوع، وينقلنا على أمور أخرى لا صلة لها بهذا البحث.

ثم إن علينا أن نسحب حسابا لأمر هذا الشعر المروي في المدح والفخر وفي


١ شعر قيس "ص٣٢"، ديوان حسان بن ثابت "تحقيق هرشفلد" "ص٨٣ فما بعدها".
٢ شعر قيس "ص٣٢".
٣ شعر قيس "ص٦٧" "القسم الألماني".
٤ شعر قيس "ص٦٧" "القسم الألماني".

<<  <  ج: ص:  >  >>