للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكبرين المذكورين, فماذا يعني هذا؟ وعلام يدل؟.

ويمن عند أهل الأنساب والأخبار وفي العرف، كناية عن "قحطان"، و"قحطان" عندهم أيضا وفي العرف كناية عن "يمن" وعن الشعوب التي يرجع نسبها إلى "يمن". أما "معد" و"مضر" و"نزار"، فكناية عن "عدنان" أو عن أحلاف من أحلاف عدنان.

وأنت إذا ما أردت أن ترسم حدودًا فاصلة بين "قحطان" و"عدنان"، أي بين "يمن" و"معد"، فإنك تستطيع أن ترسمها بسهولة إذا ما اعتبرت "قحطان" كناية عن اليمن، وأن "عدنان" كناية عن "قريش" والقبائل التي ترجع نسبها إلى نسب قريش, وحدود أرض قريش وحدود أرض اليمن معروفة واضحة. أما إذا أردت أن ترسم حدودا فاصلة، وأن تضع معالمَ واضحة بينة بين القبائل القحطانية والقبائل العدنانية، استنادًا إلى روايات أهل الأنساب والأخبار وإلى الشجرات التي رسموها لأنساب العرب طرًّا، فإنك ستخفق حتمًا، وسيخيب عملك من غير شك؛ ذلك لأن أهل الأنساب لم يسيروا في تقسيمهم العرب على وفق قواعد ثابتة وأسس واضحة مرسومة، مثل اختلاف في ملامح جسمانية، أو تمايز في أمور عقلية أو نفسية أو لغوية، أو اختلاف في مواقع جغرافية، بل ساروا وفقًا للعرف والشائع، فسجلوا الأنساب على وفق الشائع بين الناس عن النسب في ذلك العهد.

وأنت إذا أردت تطبيق ما عندك من علم في "الأثنولوجيا" وفي "الأنتروبولوجي" وفي العلوم المشابهة الأخرى، على التقسيم الثنائي للعرب، فتستجد نفسك حائرًا تائهًا لا مجال لقواعد علمك في هذا المكان. فبين القبائل التي تنتمي إلى "قحطان" مثلًا تباين كبير في الملامح وفي العقلية وفي اللغة، ويجعل من غير الممكن تصور وجود وحدة دموية تجمع شمل هذه القبائل، وجدّ واحد انحدر من صلبه هؤلاء، وبين القبائل العدنانية اختلاف كذلك في الملامح وفي اللغة، يضطرك إلى القول بفساد نظرية النسابين في أصل هذه القبائل؛ ولا بد عندئذٍ من اعتبار هذا النسب رمزًا أخذ من صراع قديم، أو من أحلاف قديمة، فصير جدين لجماعتين.

وكيف تتمكن من إقناع الباحث الحديث في العلوم المذكورة بوجود وحدة في الملامح الجسمية وفي الصفات العقلية، ووحدة في اللسان بين القبائل القحطانية الجنوبية الضاربة في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية, وبين القبائل القحطانية

<<  <  ج: ص:  >  >>