للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك وعلى المعمار١.

ويلاحظ أن الفن العربي الجنوبي مثل أكثر الفنون الشرقية الأخرى, لا تجاري الفن اليوناني في هيئة الجسم في موضوع إبراز جماله٢. فإذا ما نظرت إلى تمثال أو صورة بارزة أو حفر عربي جنوبي, ترى فرقًا واضحًا بين عمل الفنان في هذه الصور وعمل الفنان الهلليني اليوناني المعاصر له. ففي عمل هذا الأخير نرى عملًا فنيًّا جميلًا راقيًا, يبرز جمال الفن وروحية "الفنان", وهو عمل يقرب القطعة المعمولة إلى قلبك, ويجعلها تؤثر فيك تأثيرًا عميقًا, على حين لا نرى مثل هذا الإبداع في الفنون الشرقية في الغالب.

وفي الفن اليوناني تناسق وتناسب بين الأجزاء. راعى الفنان فيه النسب الطبيعية للجسم فمثلها في تماثيله, وأظهرها بمظهر يشعرك بقوة فنه وبتمكنه من التعبير عن أحاسيسه. أما الفن الجاهلي, عمومًا عربي جنوبي أو من موضع آخر, فإنه لم يتمكن من تحقيق هذا التناسق ولا النسب ولا الاتساق والتوازن بين الأعضاء. ولم يتمكن الفنان مع كل ما بذله من جهد من إظهار الجمال الفني على القطع التي صنعها, ولا من إعطائها حياة ودمًا وروحًا أخاذة تجعلك تشعر أنك أمام فنان عبر عن إدراكه الفني وعن الحس الذي يشعر به أحسن تعبير بأية طريقة أو مدرسة من مدارس الفن. وبأية وسيلة من وسائل التعبير عن الذوق الفني الذي تملك الفنان فجعله يعبر عنه بطريقته التعبيرية الخاصة بهذا الإنتاج المجسم لروحه والذي نسميه الفن.

ولا تملك المتاحف في الوقت الحاضر تماثيل جاهلية بالحجم الطبيعي للإنسان. ويظهر أن اعتبار كثير من الناس للتماثيل أصنامًا قد أدى بهم إلى إتلافها والقضاء عليها. وهناك أمثلة عديدة تؤيد هذا الرأي ذكرها القدامى والمحدثون. بل إن هذه النظرة لا تزال عند البعض. ثم إن الناس لم يكونوا يدركون قيمة الأثر في حفظ تأريخ أمتهم, ولهذا فلم يكونوا يهتمون بالتماثيل ولا بالأحجار المكتوبة ولا بكل أثر من الآثار. وتوجد اليوم قطع تماثيل يظهر أنها من تماثيل حطمها الإنسان بيده وهشمها بنفسه, إما للقضاء على معالم الوثنية المتجسمة في نظره في هذا


١ راجع النص رقم ٣٢ في كتاب: "W. Caskel, S. ٩٣.".
٢ "Handb.der altar. alter., I, S. ١٦٦.".

<<  <  ج: ص:  >  >>