أما الخشب المزخرف, فهو وجه آخر من أوجه الفن وأضرابه, وقد استعمل في البناء وفي أثاث البيت وفي صنع التماثيل والألواح المكتوبة وفي أغراض أخرى. وقد عثر المنقبون على نماذج منه. ولما كان الخشب معرضًا للتلف والهلاك أكثر من المعدن والحجر, لذلك فإن يد الطبيعة قد لعبت بالكثير منه, كما استعملته يد الإنسان قبل الإسلام وبعده في أمور أخرى غير الأمور التي خصصها أصحاب تلك الأخشاب لها, لذلك زالت معالم الكثير منها, واستعمل بعض منه في الوقود وفي أعمال البناء. ولا زلنا لا نملك نماذج من الأثاث المعمول من الخشب, مثل: صناديق لحفظ الألبسة والأشياء الأخرى التي تحتاج إلى حفظ, وسرر منامة وكراسي وغير ذلك مما يستعمله الإنسان في حياته من مصنوعات الخشب.
إن الفنان العربي الجنوبي حاول جهد طاقته إظهار شخصيته في أعماله الفنية, وهو وإن كان قد حاكى غيره وقلده في بعض الأمور, غير أنه نجح في إعطاء فنه صورة المحيط الذي عاش فيه. فنرى السحنة اليمانية على وجوه بعض التماثيل, ولا سيما في أوجه الرجال. ونجد الطابع العربي الجنوبي يبرز على بعض المصنوعات. وسوف يزداد علمنا -ولا شك في المستقبل- بالفن العربي الجاهلي في المستقبل حين تهدأ الأحوال وتقوم البعثات العلمية بالحفر العلمي المنظم في جزيرة العرب, فربما يعثر على أعمال فنية تغير وجهة نظر العلماء المكتوبة عنه في هذا اليوم.
وأما الحديث عن الفن في الحجاز قبل الإسلام, فحديث مقتضب مختصر؛ لأن البحث العلمي لم يبدأ هناك حتى الآن. فاقتصر علمنا عنه على ما ورد في الموارد الإسلامية وحدها. وما ورد في هذه الموارد هو إشارات عارضة ذكرت عرضًا في أحوال لا علاقة لها بالفن بل في البحث عن أمور أخرى, مثل: فتح مكة, حيث أشير إلى وجود تصاوير وأصنام في الكعبة, أمر الرسول بطمسها وإزالة معالمها وبكسر كل ما كان هناك من أصنام, ومثل ما جاء في كتب الحديث والفقه عن "الصور والتماثيل" في باب النهي عنهما في الإسلام. وذلك يدل على أن بعض أهل مكة وسائر مواضع الحجاز الأخرى, كانوا يضعون الصور والتماثيل في بيوتهم, وأن طائفة من الناس كانت تصوّر وتتعيش من بيع الصور, وأن طائفة أخرى كانت تنحت وتعمل التماثيل, وأن طائفة من النساجين والخياطين كانوا يجعلون صور إنسان أو حيوان على الستائر أو الملابس لتزويقها, فنهى عن