ذلك الإسلام١.
ونحن لو أخذنا بروايات أهل مكة عن بناء الكعبة, خرجنا منها على أن الكعبة لم تكن عند ظهور الإسلام وبعد تعميرها الأخير قبل البعثة, شيئًا يذكر من ناحية الفن والهندسة المعمارية, فهي لم تكن سوى بيت مكعب, تحيط بحرمه البيوت, ولم يكن الحرم واسعًا وله سور, وإنما كان ساحة مفتوحة تجاوز عليها أهل مكة, فأدخلوا جزءًا منها في بيوتهم, ولذلك اضطر الخلفاء إلى توسيعها, بشراء البيوت المجاورة وهدمها لإعادة إدخالها في الحرم. ونحن لا نجد اليوم أثرًا باقيًا على وضعه وحاله من آثار الجاهلية سوى "الحجر الأسود", وبئر زمزم, أما الأشياء الأخرى مثل الكعبة, فإنها من بناء الإسلام.
أما بيوتها, فلا علم واضح لنا عنها؛ لأن أهل الأخبار لم يتحدثوا عنها حديثًا فيه إفاضة, وقد ورد في خبر إساءة الجوار لرسول الله, أن رسول الله كان يجلس تحت ظلة أمام باب داره, فكان جيرانه يرمونه بالحجارة, مما يدل على أنهم كانوا يبنون ظللًا على أبواب بيوتهم يجلسون تحتها على "دكة" ويستظلون بها من حرارة الشمس حين وقوفهم أمام الباب. ولا بد وأن تكون بيوت تجار مكة من حجارة وكلس, وقد تكون من طابقين أو أكثر, ولكن الأخبار لا تتحدث بحديث مفصل عنها.
وفي أعالي الحجاز, آثار من بقايا أبنية ومن تماثيل وكتابات مكتوبة ومن تصاوير نقشت على الصخور, تعبر عن حالة النقّاش الذي نقشها, وهو من الأعراب. وفي جملة الصور مناظر إنسان يصيد غزالًَا, أو يجاهد في قتل أسد أو حيوان مفترس, أو فارسًا قد امتطى ظهر فرسه, أو مناظر قطعان حيوانات وحشية أو أليفة, وما شاكل ذلك من مناظر تمر على عيون الرعاة. وبعض هذه الصور مما يعود عهده إلى ما قبل الميلاد. وهي تستحق الدرس وتوجب على عشاق الفن دراسة النواحي الفنية والتعبيرية في هذه الصورة المرسومة على الأحجار والصخور.
وفي المتحف البريطاني حجر, رمز إليه بـ"B. M. ١٢٠٩٢٨" كتب عليه بالحروف الصفوية "هف زبن بن أحرب" أي: "هذا لزبان بن أحرب". وقد حفر صورة جمل تحت الكتابة, جعله لاعبًا بذنبه, وله سنام ضخم لا يتناسب حجمه
١ تنوير الحوالك "٢/ ٢٤١", تاج العروس "٤/ ٤٢٣", "قصص".