للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة – ذكر القاضي عياض عن معاوية أنه كان يكتب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ألق الدواة وحرّف القلم وأقم الباء وفرّق السين، ولا تعوّر الميم، وحسّن الله، ومدّ الرحمن، وجوّد الرحيم. فقال القاضي: وهذا وإن لم تصح الرواية أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب، فلا يبعد أن يُرزق علم هذا، ويُمنع القراءة والكتابة.

قلت: هذا هو الصحيح في الباب أنه ما كتب ولا حرفًا واحدًا، وإنما أمر من يكتب وكذلك ما قرأ ولا تهجى. فإن قيل: فقد تهجى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين ذكر الدجّال، فقال: "مكتوب بين عينيه ك اف ر"، وقلتم: إن المعجزة قائمة في كونه أميًّا، قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} ، الآية. وقال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب". فكيف هذا؟ فالجواب ما نص -صلى الله عليه وسلم- في حديث حذيفة، والحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضًا. ففي حديث حذيفة: يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، فقد نص في ذلك على غير الكتاب ممن يكون أميًّا. وهذا من أوضح ما يكون جليًا"١.

وقد ذهب "الطبرسي" في تفسيره للآية المذكورة إلى أن الرسول ساوى قومه في المولد والمنشأ، لكنه جاء بما عجز عنه الآخرون من كلام الله والنبوة، فهو أُمي مثلهم. ثم عرض رأي "الشريف المرتضى القائل: "هذه الآية تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يحسن الكتابة قبل النبوة، فأما بعد النبوة فالذي نعتقده في ذلك التجويز، لكونه عالمًا بالكتابة والقراءة, والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع على أحد الأمرين. وظاهر الآية يقتضي أن النفي قد تعلق بما قبل النبوة دون ما بعدها؛ ولأن التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة؛ لأن المبطلين إنما يرتابون في نبوته -صلى الله عليه وسلم- لو كان يحسن الكتابة قبل النبوة. فأما بعد النبوة، فلا تعلق له بالريبة والتهمة فيجوز أن يكون قد تعلمها من جبرائيل عليه السلام، بعد النبوة"٢.

وتعرض "الجاحظ" لهذا الموضوع أيضًا، فقال نقلًا عن كلام شيخ من


١ الجامع لأحكام القرآن "١٣/ ٣٥١ وما بعدها".
٢ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن "الجزء الثامن من ٣٨٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>