للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين أن نضيف إليه العجز، وبين أن نضيف إلية العادة الحسنة وامتناع الشيء عليه من طول الهجران له، فرق.

ومن العجب أن صاحب هذه المقالة لم يره -عليه السلام- في حال معجزة قط، بل لم يره إلا وهو إن أطال الكلام قصر عنه كل مُطيل، وإن قصر القول أتي على غابة كل خطيب، وما عدم منه إلا الخط وإقامة الشعر، فكيف ذهب ذلك المذهب، والظاهر من أمره -عليه السلام- خلاف ما توهم!؟ "١.

فهذا هو رأي الجاحظ في أمية الرسول.

وأما حديث: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب فيعارض حديث آخر ينسب إلى الرسول هو: "قريش أهل الله، وهم الكتبة الحسبة"٢. "ويقال قريش أهل الله؛ لأنهم كتبة حسبة"٣. والقرآن الكريم نفسه، يفند أن قريشًا لم يكونوا يحسنون الكتاب أو الحساب، لما فيه من آيات تناقض هذا الرأي. وفي الحديث، أحاديث كثيرة يجب عدم الأخذ لها؛ لأنها ضعيفة، ويشبه أن يكون الحديث المذكور واحد منها. ومن هذه الأحاديث الضعيفة، حديث: "حق الوالد على ولده أن يعلمه الكتابة والسباحة، والرماية، وأن لا يرزقه إلا طيبًا وحديث: "حق الوالد على ولده أن يحسن اسمه، ويزوجه إذا أدرك، ويعلمه الكتاب"٤. والحديث المذكور من الأحاديث التي يرجع سندها إلى "أبي هريرة" وفي الأحاديث المنسوبة إليه أحاديث كثيرة يجب عدم الأخذ بها.

ولو أخذنا بالحديث على علاته، وقبلناه دون نقد، كما يفعل كثير من الناس، وجب علينا القول: إن الرسول كان يقرأ ويكتب. ورد: "وذكر صاحب الشرعة أيضًا، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاوية -رضي الله عنه- وهو يكتب بين يديه: "ألقِ الدواة، وحرف القلم، وانصب الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسن الله، ومد الرحمن، وجود الرحيم" ٥، وأنه قال "لزيد بن ثابت" وهو أحد كتّابه: "إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبيّن


١ البيان والتبيين "٤/ ٣٣ وما بعدها".
٢ الصولي، أدب الكتاب "٢٨".
٣ حكمة الإشراق "٦٧".
٤ الجامع الصغير، رقم ٣٧٤٢، و٣٧٤٣، حكمة الإشراق "٦٦ وما بعدها".
٥ حكمة الإشراق "٦٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>