وأنا لا أريد أن أثبت هنا أن العرب قاطبة كانت أمة قارئة كاتبة، جماعها يقرأ ويكتب، وأنها كانت ذات مدارس منتشرة في كل مكان من جزيرتهم، تعلم الناس القراءة والكتابة والعلوم الشائعة في ذلك الزمن، فقول مثل هذا هو هراء، ما في ذلك شك، ولا يمكن أن يدعيه أحد ثم إن شيوع القراءة والكتابة بالمعني المفهوم عندنا، لم يكن معروفًا حتى عند أرقى الشعوب إذ ذاك مثل: اليونان والرومان والساسانيين في عالم ذلك العهد. فسواد كل الأمم كان جاهلًا لا يحسن قراءة ولا كتابة، وإنما كانت القراءة والكتابة في الخاصة وفي أصحاب المواهب والقابليات الذين تدفعهم مواهبهم ونفوسهم على التعلم والتثقف وتزعّم الحركة الفكرية بين أبناء جنسهم، ومن هنا كانت كل الأمم أمية من حيث الأكثرية والغالبية، إنما اختلفت في نسبة المتعلمين والمتخصصين والمجتهدين ودرجتهم فيها. وفي هذا تتباين وتختلف أيضًا، فقد كان اليونان والرومان والعالم النصراني في الدرجة الأولى في العهد الذي قارب الإسلام، يليهم الفرس واليهود والهنود. أما العرب, فقد كانوا يتباينون في ذلك أيضًا تباينًا يختلف باختلاف أماكنهم كما سأبين ذلك.
فأهل البوادي، ولا سيما البوادي النائية عن الحواضر، هم أميون ما في ذلك من شك؛ لأن طبيعة البادية في ظروفها المعلومة لا تساعد على تعلم القراءة والكتابة، ولا على ظهور العلوم وتطويرها فيها، غير أننا لا نعني أنهم كانوا جميعًا أميين، لا قارئ بينهم ولا كاتب. فقد كان بينهم من يقرأ ويكتب، بدليل هذه النصوص الجاهلية التي عثر عليها مبعثرة في مواضع متناثرة من البوادي، وفي أماكن نائية عن الحضارة. وهي كتابات أعراب ورعاة إبل وبقر وأغنام، دوّنوها تسجيلًا لخاطر، أو للذكرى، أو رسالة لمن قد يأتي بينهم، فيقف على أمرهم، ومن هنا نستطيع أن نقول: إن أعراب الجاهلية، كانوا أحسن حالًا من أعراب هذا اليوم، فقد كان فيهم الكاتب القارئ، الذي يهتم بتسجيل خواطره، وبإثبات وجوده بتدوينه هذه الكتابات، وأن الأمية المذكورة لم تكن أمية عامة جامعة، بل أمية نسبية، على نحو ما نشاهده اليوم في مجتمعاتنا من غلبة نسبة الأمية على نسبة المتعلمين.
وأما أهل الحواضر، فقد كان بينهم من يقرأ ويكتب، كما كان بينهم الأمي, أي: الجاهل بالقراءة والكتابة. كان منهم من يقرأ ويكتب بالقلم المسند، وكان