الألفاظ، ولا سيما الألفاظ الغريبة، فعدم استشهادهم بشاهد من شعر أو نثر في تفسير الأمية هو دليل على أن اللفظة بهذا التفسير من الألفاظ التي ولدت في الإسلام، وأنها لم تكن عربية خالصة، وإنما سمعوها من أهل الكتاب.
وعندي أن يهود يثرب هم الذين أطلقوا لفظة "الأميين" على العرب المشركين، على عادتهم حتى هذا اليوم في نعت الغرباء عنهم بألفاظ خاصة مثل "كوييم"، لتمييزهم عن أنفسهم، باعتبارهم "شعب الله المختار" المؤمن بإله إسرائيل.
ومما يؤيد هذا الرأي، أننا نطلق في عربيتنا لفظة "الأمي" على من لا يعرف القراءة والكتابة معًا، بينما نطلق على الشخص الذي يحسن القراءة ولا يحسن الكتابة قارئ، أو قارئة، وذلك لوجود جماعة كانوا يحسنون القراءة، ولكنهم لا يكتبون. ونجد اليوم من النساء من يحسنَّ القراءة ولا يكتبن، ولما نزل الوحي على الرسول: باقرأ، قال الرسول: ما أنا بقارئ، أو لست بقارئ١، ولم يقل: أنا أمي، مما يدل على أن الأمية إنما صارت تعبر عن معنى عدم القراءة والكتابة فيما بعد.
ثم إننا لا نجد في اللغات القديمة لفظة واحدة في معنى "الأمية" التي نستعملها في عربيتنا في الوقت الحاضر، أي: في معنى الجهل بالقراءة والكتابة معًا، وإنما يقال: لا يقرأ أو لا يكتب، أو يجهل القراءة والكتابة، فلا يعقل خروج العربية على هذه القاعدة. واستعمالها الأمية قبل الإسلام مصطلحًا للتعبير عن الجهل بالكتابة والقراءة معًا. ولم أعثر في النصوص الجاهلية على هذه اللفظة أو على لفظة أخرى تؤدي هذا المعنى.
ولا يعقل أن يكون اليهود أو غيرهم قد أطلقوا الأمية على العرب، بسبب جهل العرب الكتابة والقراءة. فقد كان سواد يهود ونصارى جزيرة العرب أميًّا أيضًا، لا يقرأ ولا يكتب، إلا أن القرآن الكريم أخرجهم من الأميين، واستثناهم، وأطلق عليهم "أهل الكتاب"، وذلك يدل دلالة واضحة على أن المراد من "الأميين" العرب الذين لهم كتاب، أي: العرب الذين لم يكونوا يهودًا ولا نصارى لا من لا يحسن الكتابة والقراءة. والقرآن الكريم هو الذي هدانا إلى لفظة "الأميين" فلم ترد اللفظة في نص من نصوص الجاهلية وبفضله أيضًا عرفنا مصطلح "أهل الكتاب" دلالة على أهل الديانتين.
١ إمتاع الأسماع "١/ ١٣"، "ثم قال اقرأ: قلت ما اقرأ"، تفسير الطبري "٣٠/ ١٦١"، تفسير النيسابوري "٣٠/ ١٢٥"، "حاشية على تفسير الطبري".