للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتباعد عن الجاهلية، إلا أن الأفكار القبلية بقيت هي هي عند تلك القبائل بالنسبة إلى النسب وتكوين الأحلاف. فقبيل ظهور الإسلام كان بين "يثرب" و"مكة" نزاع شديد, ولما هاجر الرسول إلى "يثرب" عرف أتباعه الذين تبعوه بالمهاجرين, وقد دامت الهجرة إلى عام الفتح: "فتح مكة"١. وأما أهل المدينة الذين آووا الرسول ونصروه، فقد عرفوا بالأنصار لانتصارهم للرسول ولتقديم مساعداتهم له وللمسلمين. وللقضاء على الخصومة، آخى الرسول بين الأنصار والمهاجرين, غير أن العداء عاد فتجدد بين الأنصار والمهاجرين بعد وفاة الرسول، ويظهر أثره في شعر حسان بن ثابت والنعمان بن بشير٢ والطرماح بن حكيم، وهم شعراء يثرب وألسنتها، وفي الأشعار الأخرى التي جمعت في دواوين الأنصار٣.

وقد صير النزاع المذكور لفظة "الأنصار" علما خاصا على أهل المدينة، حتى كادت تكون نسبًا، واصطبغت الدعوة بصبغة يمانية؛ فنجد في شعر الأنصار فخرا باليمن، واعتزازا بأصلهم اليماني، ومجاهرة بأنهم يمانيون صرحاء وبأنهم من أقرباء الغساسنة ومن ذوي رحمهم. كما أنهم استعملوا لفظة الأنصار مقابل قريش٤ ومعد٥ ومضر٦ ونزار٧، وأطلقوا على لسانهم حسان بن ثابت شاعر الأنصار، وشاعر اليمن، وشاعر أهل القرى٨.


١ "فلما فتحت مكة، صارت دار سلام كالمدينة، وانقطعت الهجرة. وفي الحديث: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" "، اللسان "٧/ ١١١"، المؤتلف "ص١٢٦".
٢ الأغاني "١٣/ ١٤٢"، "١٤/ ١١٤ فما بعدها".
٣ "كاد نهيك بن إساف يهاجي أبا الخضراء الأشهلي في الجاهلية، وأشعارهم موجودة في أشعار الأنصار"، الأغاني "٢٠/ ١١٧".
٤
ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار
الأغاني "١٣/ ١٤٢".
٥
وقال الله قد يسرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد ... قتال أو سباب أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء
ديوان حسان "ص١" "تحقيق هرشفلد"، شرح ديوان حسان، للبرقوقي "ص٦", "سباب أو قتال".
٦
ونحن جندك يوم النعف من أحد ... إذ حزبت بطرًا أشياعها مضر
ديوان حسان "ص٥٧"، شرح ديوان حسان "ص٢٠٠" "للبرقوقي".
٧ muh. Stud. Bd. I, s. ٩٤, zdmg. Xviii, s. ٢٣٩
٨ مجالس ثعلب، القسم الثاني، تحقيق عبد السلام محمد هارون، سنة ١٩٤٩ "ص٤٢٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>