للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد في أيام معاوية وفي أيام ابنه يزيد قصصًا عن هذا النزاع اليثربي المكي، النزاع الذي سمي بنزاع الأنصار مع المهاجرين، أو نزاع الأنصار مع قريش، ويلاحظ أن هذا القصص لم يستعمل لفظة "مهاجرين" في مقابل "الأنصار" إلا نادرًا، إنما استعمل الألفاظ المذكورة. وقد عرفت وفودهم فيه بـ"وفود الأنصار" أو "الأنصار"١, فصارت تلك اللفظة وكأنها نسب أو علم من أعلام القبائل، حتى تضايق من ذلك رجال قريش. قيل: بينما كان "عمرو بن العاص" عند "معاوية" يومًا، إذ دخل عليه حاجبه يقول: "الأنصار بالباب"، فتضايق من ذلك عمرو، وقال: "ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسبًا؟ ارددهم إلى نسبهم". فقال له معاوية: إن علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك؟ إنما هي كلمة مكان كلمة، ولا مرد لها. فقال معاوية لحاجبه: اخرج، فنادِ: مَنْ كان بالباب من ولد عمرو بن عامر، فليدخل. فخرج، فنادى بذلك، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار، فقال له: اخرج، فنادِ: من هنا من الأوس والخزرج، فليدخل. فخرج فنادى ذلك، فوثب النعمان بن بشير، فأنشأ يقول:

يا سعد, لا تعد الدعاء, فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لقومنا ... أثقل به نسبًا إلى الكفار

إن الذين ثووا ببدر منكم ... يوم القَلِيب هُمُ وقود النار

وقام مغضبًا. فبعث معاوية، فرده، وترضاه وقضى حوائجه وحوائج من كان معه من الأنصار٢. وكان النعمان بن بشير حامل لواء الأنصار قد غضب في مجلس من مجالسه مع معاوية، ولاحظ معاوية عليه الغضب فضاحكه طويلًا، ثم قال له: "إن قومًا أولهم غسان، وآخرهم الأنصار، لكرام"٣. وكان أهل يثرب يلحقون نسبهم بنسب غسان، ويرجعون نسبهم ونسب غسان إلى الأزد, ونسب الأزد إلى اليمن.


١ "وفد الأنصار" الأغاني "١٣/ ١٤٢".
٢ الأغاني "١٤/ ١٢٠، ١٢٢".
٣ الأغاني "١٤/ ١١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>