للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان من المعقول استعمال لفظة "المهاجرين" في مقابل "الأنصار"، إلا أن الجانبين لم يستعملاهما إلا قليلًا، وإنما استعملا لفظتي قريش ومعد، كما استعملا "قريشًا" في مقابل "يمن". وقد افتخرت قريش بمعد وبالنبوة؛ فأجابهم الأنصار بأن أم الرسول من بني النجار أخوال النبي، وهم من المدينة، وبأنهم كانوا أول من آمن به ونصره، وبأن المتنبيين كانوا من قبائل معد١.

ولو كتب لمصطلح "الأنصار" بالبقاء، ولو كان عهد التدوين بعيدًا عنه، لصار ولا شك نسبًا من الأنساب، ولصارت اللفظة اسم أب لقبيلة، كما صارت الألفاظ المذكورة التي خلدت لأنها الألفاظ الجاهلية، فلما صار التدوين كان الناس يتداولونها على أنها أنساب وأسماء.

واستعملت لفظة "اليمانية" في مقابل "النزارية" في العصر الأموي، ويظهر أنها تغلبت على لفظة "الأنصار" وقضت عليها, وهي تعني: القبائل التي ترجع أنسابها إلى اليمن. أما "النزارية" فقد عنت كل القبائل العدنانية٢.

وقد كان بين الحزبين نزاع شديد, ولكل شيعة نسابون ومدافعون ومهاجمون. وقد أثر هذا النزاع تأثيرًا خطيرًا في وضع الأنساب٣.

ويرجع بعض الباحثين انقسام العرب إلى قحطانيين وعدنانيين إلى هذا النزاع: نزاع "يثرب" ومكة قبل الإسلام، ويرجعه آخرون إلى التنازع الطبيعي الذي هو بين البداوة والحضار. فقد كان أهل يثرب أي: اليمن -كما يقولون- أصحاب حضارة وملك, أما أهل مكة ومن والاهم، فقد كانوا أعرابا أو شبه أعراب؛ ومن هنا اختلفت طبيعة أهل يثرب عن طبيعة أهل مكة، ووقع النزاع والتنافس بين الجماعتين، وتحول إلى نسبين. وزعموا أن هذا النزاع هو نزاع الحضارة مع البداوة، نزاع أهل المدر مع أهل الوبر، نزاع "بني مدراء"٤، أو "أهل القارية" كما يقال لهم أيضا؛ لأنهم "قارون" أي سكان القرية والقرى مع أهل البادية أي: البادون نَزَلة البادية. قالوا: ومن هنا قيل: الحضر خلاف


١ Muh. Stud. Bd. I, S. ٩٦
٢ التنبيه "ص٦٩".
٣ التنبيه "ص٧٢".
٤ اللسان "٧/ ١٣٣"، الأغاني "١٢/ ١٤٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>