للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدو، والحاضر خلاف البادي، و"أهل الحاضرة" و"أهل البادية" و"الحاضرة"، خلاف البادية وهي المدن والقرى والريف١، وهو تقسيم يرونه, قديمًا، يرجع إلى الجاهلية. روي أن الرسول قال، حين وفد عليه قيس بن عاصم: "هذا سيد أهل الوبر" ٢. ونجد مثل ذلك في النصوص اليمانية الجاهلية، إذ أشارت إلى الأعراب كطبقة خاصة قائمة بنفسها، تمتاز عن الحضر المستقرين.

ومن ثَمَّ كانت غالبية القبائل العدنانية التي يذكر أهل الأخبار أسماءها قبائل أعرابية، أي: قبائل بدوية, أو قبائل غلبت البداوة عليها، وغالبية القحطانية قبائل مستقرة أو قبائل شبه حاضرة تنخت في أماكن ثابتة ومالت إلى حياة الحضارة. ولما كان الحضر أرقى فكريًّا من أهل الوبر، صارت إليهم السيادة في الغالب، فتحكموا في القبائل العدنانية، وملكوا القبائل المعدية. فحكم المناذرة والغساسنة وآل كندة وغيرهم ممن يرجع نسبه النسابون إلى قحطان قبائل عدنانية، ولم يحكم العدنانيون القحطانيين قبل الإسلام.

هذا هو رأي من يرى أن القحطانية والعدنانية كناية عن الحضارة والبداوة، وتعبير عن أهل المدر وأهل الحضر. يستدلون على رأيهم هذا بما قلته من غلبة الحياة الحضرية والاستقرار على القبائل التي يرجع النسابون نسبها إلى قحطان، وغلبة البداوة أو شبه البداوة على القبائل العدنانية.

وللحكم على هذه النظرية، يجب تكوين جدول بأسماء القبائل الجاهلية العدنانية منها والقحطانية، ودراسة أحوالها الاجتماعية والمواضع التي عاشت فيها في مختلف الأزمنة، وعند ذلك نستطيع الحكم على ما فيها من قوة أو ضعف، فإن في القحطانيين قبائل متبدية، وفي العدنانيين قبائل مستوطنة وأصحاب قرى؛ ولهذا لن تصدق تلك النظرية إلا بمثل هذه الدراسة.

ولفهم النزاع القحطاني العدناني، أو نزاع يثرب ومكة، لا بد من البحث عن موارد جاهلية وإسلامية نستعين بها على فهم طبيعة هذه النزاع. أما الموارد


١ اللسان "٢٠/ ٣٨"، فجر الإسلام "١/ ٧".
Sprenger, das laben, bd., ٣, s. cxxviii
٢ معجم الشعراء "ص٣٢٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>