للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي المرحلة الحقيقية للكتابة. وبذلك استطاع أن يدوّن كل ما يدور بخلده من آراء بحروف, يضعها بعضها إلى بعض ليولد منها الألفاظ التي تدوّن بعضها إلى بعض لتعبر عما يريد الكاتب تدوينه.

وما ذكرته يمثل مجمل رأي العلماء في تطور الكتابة من الرموز والعلامات البدائية إلى بلوغها مرحلة الكمال والتمام. وقد أخذوا رأيهم هذا من الصور والنقوش التي عثر عليها في الكهوف وعلى الصخور وفي المقابر في مختلف أنحاء العالم. ولكن رأيهم هذا يتشعب ويتضارب عندما يتعرض للأصل الذي أوجد الحروف, والمكان الذي صار له شرف إيجاد الكتابة, وحل المشكلة المستعصية التي دوخت الإنسان, مشكلة تدوين ما يدور بخلده بيسر وسهولة. فذهب بعض الباحثين إلى أن الكتابة إنما ظهرت في العراق, وذهب بعض آخر إلى أنها ظهرت في لبنان, وذهب بعض إلى أنها من نبت أرض النيل, وذهب آخرون إلى أنها من ثمرات جزيرة "كريت". ولكل رأي دليل وحجة تقوم على دراسة الكتابات والنصوص التي عثر عليها في تلك الأرضين.

والذين يرون أن العراق هو وطن الكتابة الأول, يرون أن الخط إنما ظهر بتأثير عبادة النجوم, وذلك في أرض "كلديا", وكان الكهنة قد وضعوا رموزًا للنجوم ومن تلك الرموز أخذت الأبجدية الأولى, وتفرعت الألفباء السامية الغربية التي صارت أمًّا لمجموعة من الأبجديات, ومن قائلي هذه النظرية والمدافعين عنها المستشرق "هومل"١.

وهناك طائفة من العلماء رأت أن الأبجدية الأولى هي وليدة أرض النيل. وأن الذين أوجدوا الأبجدية إنما أخذوها منها. وكان المصريون وقد استعملوا في بادئ أمرهم الكتابة الصورية, ثم اختزلوها وأولدوا منها "الكتابة الهيروغليفية". وهي كتابة متطورة متقدمة بالنسبة إلى الكتابة الصورية. وقد صارت هذه الكتابة أمًّا لأقدم الكتابات. إذ تعلمها أهل "سيناء" وأهل بلاد الشأم, ثم اختزلوها وجزموها, حتى أوجدوا من هذا الجزم الحروف الهجائية٢.


١ Grundriss, I, S. ٩٧, Geschichte Babylonien und Assyrian, S. ٥٠
٢ Ency. Britanica, vol. I. p. ٦٨٠, Hubert Grimme, Die Losung des Sinalschriftproblems, S. I, A. H. Gardiner, The Egyptian Orign of the Semitic Alphabet in the Jornal of Egyptian Archaeology, ١٩١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>