نقية, بل كانت متأثرة بلغتهم اليومية العربية. وفي ضمنها كتابة "النمارة" التي يعود عهدها إلى سنة "٣٢٨" للميلاد, وكتابة "حرّان اللجا" التي هي أقرب هذه الكتابات إلى عربيتنا. ونظرًا إلى ما نجده من تشابه في رسم الحروف بين أقدم الكتابات العربية وبين الخط النبطي, وفي قواعد الإملاء وترتيب الأبجدية, فلا يستبعد أن يكون أهل مكة قد أخذوا هذا الخط فكتبوا به. باحتكاكهم بأهل أعالي الحجاز وبلاد الشأم حيث كانوا يتاجرون معهم, أو بمجيء النبط إليهم للاتجار تعلمه أهل مكة منهم.
وذهب الدكتور "خليل يحي نامي", إلى أن أصل الكتابة العربية من الحجاز, لما كان للحجاز من مكانة روحية عند العرب ولاشتغالهم بالتجارة. والمكانة الروحية والتجارة تستدعيان القراءة والكتابة, أخذوها من التجار النبط الذين كانوا يتوافدون عليهم للاتجار أو من اختلاطهم بالنبط أثناء ذهابهم إلى بلاد الشأم. فهو يرى أن الخط النبطي هو والد الخط العربي, ودليله أن ترتيب الحروف على طريقة أبجد هوز, وترتيبها من حيث حساب الجمل, أي: جعل كل حرف من حروف أبجد هوز في مقابل رقم حسابي, يردان في عربيتنا على نحو ما ورد عند النبط. مما يدل على أن الخط العربي أخذ من ذلك الخط, أضف إلى ذلك تشابه رسم الحروف المنفصلة والمتصلة في القلمين١.
وأما موضوع أخذ أهل مكة خطهم المذكور من العراق, فرأي لا أستبعده أيضًا, فقد كان عرب العراق يكتبون, ولهم مدارس لتعليم الكتابة ملحقة بالكنائس والأديرة, وقد كان بين أهل مكة وبين عرب العراق ولا سيما الأنبار والحيرة اتصال تجاري وثيق, وكان تجار مكة يأتون بتجارتهم إلى الحيرة ويقيمون بها, فلا يستبعد تعلمهم أو تعلم بعضهم الخط من أهل الحيرة ومن أهل الأنبار. كما كان للتبشير يد في نقل هذا الخط إلى الحجاز وربما إلى مواضع أخرى من جزيرة العرب. وقد كان هؤلاء المبشرون يكتبون بقلم نبطي أو بقلم إرمي متأخر, وهو والد القلم العربي الذي نكتب به. وقد كان المبشرون من أهل العراق نشطون في التبشير في جزيرة العرب, فلا يستبعد أن يكون من بينهم مبشرون حيريون
١ خليل يحي نامي, مجلة كلية الآداب, الجامعة المصرية, ١٩٣٥م, مجلد٣, جزء١ "ص١٠٢ وما بعدها".