للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترجع أسانيد الروايات المذكورة إلى "عبد الله بن عباس", و"كعب الأحبار", و"الشعبي" و"أبي ذر", و"عوانة", و"ابن الكلبي", و"الشرقي بن القطامي", و"الأصمعي" و"الهيثم بن عدي"١.

ويظهر من هذه الروايات ومن روايات أخرى أن رأي علماء العربية أن الخط العربي لم يكن أصيلًا في الحجاز, وإنما دخله من اليمن, أو من العراق أو أرض مدين. وأن أهل مكة إنما تعلموه من الأماكن المذكورة, في وقت غير بعيد عن الإسلام, لا يمكن أن يرتقي عنه بأكثر من قرن, إن لم يكن أقل من ذلك, وفقًا لرواياتهم هذه. وأن أقدم من كتب به هم أهل مكة. ولذلك قدم أهل الأخبار خط أهل مكة على سائر الخطوط التي عرفت في الإسلام. وجعلوه أول الخطوط العربية وبعده المدني, أي: خط أهل المدينة٢.

أما أن أصله من اليمن فدعوى لا يمكن الأخذ بها؛ لأن أهل اليمن كانوا يكتبون بالمسند, والمسند بعيد عن هذا القلم الذي يسميه أهل الأخبار: القلم العربي أو الكتاب العربي أو الخط العربي بعدًا كبيرًا. وقد بقوا يكتبون بقلمهم هذا زمنًا في صدر الإسلام. ثم إن الروايات التي ترجع علم مكة بالخط إلى اليمن, هي آحاد بالنسبة إلى الروايات الأخرى التي تنسب أخذ الخط من العراق.

وأما دعوى مجيئه من مدين, أي: من أعالي الحجاز إلى مكة, فدعوى أراها غير مستبعدة؛ لأن أهل هذه المنطقة كانوا قبل الميلاد وبعده من النبط. والنبط هم عرب. وقد سبق أن تحدثت عنهم. وكانوا يكتبون بخط أخذ من قلم "بني إرم", حروفه منفصلة ومتصلة, وترتيب أبجديته هو ترتيب "بني إرم", أي: "أبجد هوز". وقد طوّروه بعض التطوير, فصار الكاتب بكتب به بالحبر بسرعة, وهو سريع وسهل أيضًا عند حفره على الحجر أو المعدن أو الخشب, ويناسب التاجر والكاتب ورجل الفكر. وقد وصلتنا كتابات كثيرة كتبت به. وفي ضمنها الكتابات الخمسة التي اعتبرها العلماء النموذج الأول والأقدم للكتابات المدونة بلغة قوم كانوا يتكلمون بالعربية, غير أن عربيتهم كانت متأثرة بالنبطية عند الكتابة. أو أنهم كانوا يكتبون بالنبطية, غير أن نبطيتهم لم تكن صافية


١ المزهر "٢/ ٣٤١", "النوع الثاني والأربعون: معرفة كتابة اللغة".
٢ الفهرست "١٤", "الكلام على القلم الحميري".

<<  <  ج: ص:  >  >>