للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباحثين سينقبون في باطن الأرض وينبشون الأماكن الأثرية فيجدون أشياء, هي تحت قشرة الأرض في الوقت الحاضر. فيكون من يأتي بعدنا سعداء بالطبع لوقوفهم على أشياء حرمنا من رؤيتها نحن فصرنا في جهل من أمرها, وصاروا هم في نعيم من العلم.

وقد ذهب "جرجي زيدان" إلى أن المضريين الذين تحضروا وأقاموا في العراق وفي بلاد الشأم, اقتبسوا الكتابة من جيرانهم, فكتب منهم من كتب بالعبرانية وكتب منهم من كتب بالسريانية, ولكن القلمين النبطي والسرياني ظلا عندهم إلى ما بعد الفتوح الإسلامية, فتخلف عن الأول الخط النسخي "الدارج" وعن الثاني الخط الكوفي نسبة إلى مدينة الكوفة. وكان الخط الكوفي يسمى قبل الإسلام الحيري نسبة إلى الحيرة, وهي مدينة عرب العراق قبل الإسلام, وابتنى المسلمون الكوفة بجوارها.

ومعنى ذلك أن السريان في العراق كانوا يكتبون ببضعة أقلام من الخط السرياني, في جملتها قلم يسمونه "السطرنجيلي" كانوا يكتبون به أسفار الكتاب المقدس, فاقتبسه العرب في القرن الأول قبل الإسلام, وكان من أسباب تلك النهضة عندهم وعنه تخلف الخط الكوفي. وهما متشابهان إلى الآن١.

ثم تعرض إلى ناقل الخط إلى مكة, فقال: "واختلفوا فيمن نقله إلى بلاد العرب, والأشهر أن أهل الأنبار نقلوه, وذلك أن رجلا منهم اسمه بشر بن عبد الملك الكندي أخو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل, تعلم هذا الخط من الأنبار وخرج إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان والد معاوية, فعلم جماعة من أهل مكة, فكثر من يكتب بمكة من قريش عند ظهور الإسلام, ولذلك توهم بعضهم أن أول من نقل الخط إلى العرب سفيان بن أمية٢.

ولما أراد ابداء رأيه في أصل الخط العربي جمع بين الرأيين: الرأي القائل أن أصل الخط العربي من العراق, والرأي القائل أن أصله من حوران, فقال: "والخلاصة على أي حال أن العرب تعلموا الخط النبطي من حوران في أثناء


١ تأريخ التمدن الإسلامي "٣/ ٥٨", "الخط العربي".
٢ تأريخ التمدن الإسلامي "٣/ ٥٨", السجستاني, المصاحف "٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>