للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجاراتهم إلى الشأم, وتعلموا الخط الكوفي من العراق قبل الهجرة بقليل, وظل الخطان معروفين عندهم بعد الإسلام. والأرجح أنهم كانوا يستخدمون القلمين معًا: الكوفي لكتابة القرآن ونحوه من النصوص الدينية, كما كان سلفه السطرنجيلي يستخدم عند السريان لكتابة الأسفار المقدسة النصرانية, والنبطي لكتابة المراسلات والمكاتبات الاعتيادية. ومما يدل على تخلف القلم الكوفي عن السطرنجيلي –فضلا عن شكله– أن الألف إذا جاءت حرف مدّ في وسط الكلمة تحذف, وتلك قاعدة مطردة في الكتابة السريانية, وكان ذلك شائعا في الإسلام, وخصوصا في القرآن, فيكتبون "الكتب" بدل "الكتاب", و"الظلمين" بدل "الظالمين"١.

والقلم الكوفي هو من أقدم الأقلام العربية الإسلامية. وهو كما ذكرت قبل صفحات, قريب الشبه بالقلم السطرنجيلي, قلم المصاحف عند نصارى العراق, ومن أجلّ أقلامهم لاستخدامه في كتابة الكتابات الدينية, ومنها الأناجيل. وقد أُخذ من القلم الحيري على ما يظهر؛ لأن أهل الحيرة كانوا يكتبون "الجزم", والجزم وليد السطرنجيلي؛ ذلك لأن الكوفة نشأت في خلافة "عمر", فانتقل إليها في جملة من انتقل إليها أهل الحيرة, الكتاب بالقلم الجزم. ولهذا صار قلم الكوفة ثقيلا في الكتابة ذا زوايا مربعة وحروفًا مستقيمة, والكتابة تميل إلى التربيع٢. وقد أخذ من "الجزم"٣, ونسب إلى الكوفة لظهوره لأول مرة بها في الإسلام.

ولا يستبعد أيضا أخذ أهل مكة خطهم المدور المسمى "النسخ" من "حوران" أو من "البتراء" و "العلا" فبين مكة والمكانين المذكورين اللذين سكن بهما النبط اتصال وثيق. أو من الحيرة والأنبار. فالخط المدور هو قلم النبط المتأخر, وقلم كتبة العراق أيضًا, وهو والد القلم "النسخ". ومن الخطأ اعتبار "النسخ" وليد الخط الكوفي٤؛ لأن الخط الكوفي هو الجزم أو قلم آخر مثله اشتق من القلم المربع الزوايا "السطرنجيلي", بينما النسخ وليد القلم المدور الذي أستطيع تسميته


١ تأريخ التمدن الإسلامي "٣/ ٥٩".
٢ الأبحاث, ١٩٥٢م, "جـ١ ص١٥".
٣ مجلة المجمع العلمي العربي, بدمشق, ١٩٥٢م, "ص٤٢١".
٤ الأبحاث, ١٩٥٢م "جـ١ ص١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>