للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصار، فإن في أسلوب نظمها وفي صياغة البيت الأول وجملة "منطق الشيخ يعرب"، ما فيه الكفاية لإظهار أنها مصنوعة، حُملت عليه حملًا، ولا يمكن أن يكون هذا النظم من نظم أول الإسلام، حتى وإن كان من شاعر من شعراء أهل المدر في ذلك العهد.

وزعم أن حسان ذكر القيل "ذا ثات"، وهو من أقيال حمير, فقال هذا البيت:

وفي هكر قد كان عز ومنعة ... وذو ثات قَيْلٌ ما يكلم قائله١

ولم يرد هذا البيت في ديوانه. أما أسلوب نظمه، فينبئك أن قائله يجب أن يكون شخصًا آخر من المتأخرين عن حسان، ممن كانوا يضعون الشعر على ألسنة غيرهم على نحو ما وضعوا على ألسنة التبابعة وآدم والجن.

هذا ولحسان شعر لم يرد في ديوانه، بل ورد في موارد أخرى, منه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود؛ لأنه منحول وقد حُمِل على حسان وأُلْصِق به، ولم يغفل العلماء عنه، بل أشاروا إليه ونبهوا أن بعض الناس قد تعمدوا وضعه وحمله عليه لمآرب. قال الأصمعي في ذلك: "تنسب إليه أشياء لا تصح عنه. وهذا فيما يظهر صحيح، وكثيرًا ما رأيت في سيرة ابن هشام أبياتًا لحسان من هذا القبيل يعقبها صاحب السيرة بقوله: وأهل العلم ينفيها عن حسان"٣, وقد نسب الجمحي الوضع على حسان إلى بعض قريش للغض منه، فقال: "وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد. لما تعاضهت قريش، واستبَّت، وضعوا عليه أشعارًا كثيرة، لا تليق به". وقد كان ذلك لتعرضه بهم، ولتعصبه المفرط ليثرب، وافتخاره بهم على قريش٤.

هذا ومع إفراط "حسان" في التعصب ليثرب، لا نراه يذكر قحطان إلا


١ شمس العلوم "جـ١, ق١, ص٢٧١".
٢ ديوان حسان: المقدمة الإنجليزية "ص٢ وما بعدها"، "وقد قال الأصمعي في ذلك: تنسب إليه أشياء لا تصح عنه. وهذا فيما يظهر صحيح، وكثيرًا ما رأيت في سيرة ابن هشام أبياتًا لحسان من هذا القبيل, يعقبها صاحب السيرة بقوله: وأهل العلم ينفيها عن حسان...."، البرقوقي "ص غ".
٣ المصدر المتقدم.
٤ طبقات الشعراء "ص٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>