للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قرأه القوم، ساروا إلى بني عامر، وفتكوا بهم، وأنقذوا قيسبة منهم١. ورواية أهل الأخبار هذه لا يمكن أن تكون دليلًا على عدم وقوف غير أهل اليمن على المسند في العهود البعيدة عن الإسلام. ولا على عدم استعمالهم لذلك القلم في حياتهم اليومية؛ لأن علم أهل الأخبار بأحوال الجاهليين لا يرتقي كما سبق أن قلت إلى عهود بعيدة عن الإسلام، ولأن في أكثر الذي ذكروه عنهم، قصص ونسج خيال، يستوي في ذلك حتى ما ذكروه عن الجاهلية الملاصقة للإسلام، ثم إن في الذي عثر عليه السيّاح من كتابات مدوّنة بالثمودية أو بأقلام أخرى مشتقة من قلم المسند ما يفند الرواية المذكورة في عدم استعمال غير أهل اليمن للمسند وفي عدم وقوفهم عليه. ويمكن حمل كلامهم في عدم استعمال أهل الحجاز أو غيرهم للمسند على أيام الجاهلية القريبة من الإسلام. حيث ظهر القلم العربي الشمالي.

والرواية لا يمكن أن ترتقي إلى زمن بعيد عن الإسلام. فنحن نعلم أن "حنظلة بن شرقى" المعروف بالطمحان، وهو من "بني القين بن جسر"٢ كان شاعرًا فاسقًا من المخضرمين، وكان نديمًا للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية، ثم أدرك الإسلام٣، ولو صدقنا الرواية المذكورة وأخذنا بها، وجب أن تكون الكتابة قد وقعت قبيل الإسلام، ومعنى ذلك أن "قيسبة" وهو من "بني السكون" كان يكتب بها، أي إن المسند كان معروفًا ويكتب به خارج اليمن في هذا العهد، ولهذا يكون قول "الأصبهاني": "وليس يكتب به غير أهل اليمن"، مغلوطًا؛ لأن "قيسبة" لم يكن من أهل اليمن، حتى يصح قوله.

وكشفت العروض ونجد وأماكن أخرى عن سر كان العلماء يبحثون عنه في شوق، فقدّمت للعلماء عددًا من الكتابات المدونة بالمسند، وبذلك ثبت علميًّا أن "المسند" كان معروفًا قبل الإسلام في كل جزيرة العرب، وربما كان القلم العام للعرب قبل المسيح، أي: قبل ظهور أقلام أخرى ولدت على ما يظن بعد الميلاد، ففي سنة ١٩١١ للميلاد عثر "الكابتن شكسبير٤" "Capt. W. H. Shakespear" على


١ "وليس يكتب به "أي بالمسند" غير أهل اليمن"، الأغاني "١١/ ١٢٥".
٢ الاشتقاق "٣١٧".
٣ الخزانة "٣/ ٤٢٦"، الشعر والشعراء "١/ ٣٠٤"، المؤتلف "١٤٩"، الأغاني "١١/ ١٢٥"، السرط "٣٣٢".
٤ BOASOOR, Nub. ١٠٢, "١٩٤٦", p. ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>