للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقتصار الكتَّاب على استعمال الحروف الصامتة وحدها، جعل من العسير علينا البت في كيفية النطق بالكلمات والتعرف بسهولة على مواضع الكلم من الإعراب.

ولولا الاستعانة باللهجات العربية الباقية المستعملة في اليمن، وبلغة القرآن الكريم، وبالمعجمات، وباللغة الحبشية، لكان من الصعب على القارئين للكتابات العربية الجنوبية التوصل إلى فهم معانيها وإلى قراءتها قراءة مضبوطة أو قريبة من القراءة الصحيحة، والتوصل إلى استخراج القواعد منها. فبفضل هذه المواد المساعدة، تمكنا من الوصول إلى ما توصلنا إليه عن تلك اللهجات المكتوبة بالقلم المسند١.

ومن جملة المسائل التي جعلت فهم النصوص العربية الجنوبية أمرًا صعبًا على الباحث في بعض الأحيان، اشتمالها على اصطلاحات غير موجودة في العربية، وعلى كلمات غير موجودة في اللغات السامية الأخرى, ثم إن بعضها قد كتب كتابة موجزة صيرتها غامضة غير مفهومة، ولهذا اضطر علماء العربيات الجنوبية إلى تلخيص معناها على وجه التقريب٢.

ومما يؤسف عليه كثيرًا أن كتبة المسند لم يتركوا لنا كتابة تشير إلى ترتيب حروف الهجاء عندهم، وأسمائها التي كانت تعرف بها عند قرّائهم وكتّابهم. وعدم وصول كتابة بهذا الموضوع منهم إلينا، خسارة كبيرة، إذ أصبح من الصعب التحدث عن كيفية ظهور الخط بين العرب الجنوبيين وعن صلاته بالخطوط الأخرى، وبنا أشد الحاجة إلى معرفة كيفية توصل الإنسان إلى هذا الاختراع العظيم الذي غيَّر تأريخ البشرية وأحدث فيها انقلابًا لا يدركه المرء إلا إذا تصور البشرية وهي جاهلة لا تحسن قراءة ولا كتابة، فما الذي كان يمكن أن نعرفه لولا وجود هذه العلامات الصغيرة المحدودة التي نسميها حروفًا والتي نكتب بها وندوّن بها كل ما يجول في خواطرنا من آراء دون أن نعرف عظم قيمة هذه العلامات التي ميزت الإنسان عن الحيوان، ورفعته عنه إلى أعلى الدرجات!

ولو قدر للعلماء الحصول على ألواح فيها الأبجديات مرتبة بحسب الطريقة التي تسير عليها الشعوب القديمة في تعلمها. وخاصة إذا كانت مقرونة بأسمائها التي كانت تعرف بها، لصار في وسع العلماء التوصل إلى نتيجة علمية مقبولة


١ Hofner, ٨. ١٥.
٢ ولفنسون، السامية "٢٤٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>