بشأن نشأة الخط وتطوره. فإن في استطاعتهم عند ذاك الحكم –من نظرهم إلى أقدم هذه الكتابات وإلى أصول كلمات المسميات –عل أقدم مكان ظهرت فيه تلك الكتابة، وعلى تعيين اسم الشعب الذي كان له شرف هذا الاختراع. وهو اختراع لم يظهر بالطبع فجأة إلى العالم، أي: إنه لم يكن من ابتكار رجل واحد فاجأ الناس به، بل هو اختراع مرت عليه قرون حتى بلغ ما بلغه من شكل الحروف. مرّ في مراحل كثيرة بدائية في بادئ الأمر، ثم انتقل من تلك الأشكال إلى أشكال أرقى منها، حتى اهتدى عقل الإنسان إلى معرفة الحروف. ولم يتوصل بالطبع إلى هذه المرحلة بسهولة، إذ يقتضي ذلك وجود علم عند الإنسان عن تكون الكلمات من حروف، وهو لم يتوصل إلى هذا العلم إلا بعد تعب استمر قرونًا، وبتعاون كتّاب مختلف الشعوب لتحليل كلمات الإنسان إلى عناصرها الأولى، وعناصرها الأولى هي هذه الحروف.
وقد كان من الضروري وضع أسماء للحروف، ليميز بها حرف عن حرف آخر. وقد وضع مخترعو الحروف تلك الأسماء، وهي أسماء لا تزال البشرية تعيدها مع شيء من الاختصار والتحريف، وقد يمكن التوصل من تلك الأسماء إلى أسماء تلك الشعوب القديمة التي ساهمت وعملت في ترقية ذلك الاختراع العظيم. فإن لتلك الأسماء علاقة وصلة بمسميات مادية، وبالإمكان تشخيص مواطن تلك المسميات بالرجوع إلى الأماكن التي عرفت واشتهرت بها، ومن ثم نتوصل إلى تعيين تلك الشعوب على وجه التقريب.
وتختلف أشكال حروف المسند اختلافًا كبيرًا عن حروفنا المألوفة التي نكتب بها. ولما كانت هذه الحروف حروفًا منفصلة غير متصلة كما هي الحال في حروفنا، فهي لذلك في أثناء كتابة الكلمات لا تتصل ببعضها ولا يلتقي فيها حرف بحرف آخر. ولهذا السبب كان شكل الحرف في المسند لا يتبدل ولا يتغير بتغير موضعه في الكلمة، بل يحافظ على وضعه في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها، إلا في بعض الأحيان حين يكتبون من اليسار نحو اليمين، فيغيرون اتجاه الحرف بأن يجعلوه نحو اليمين.
وقد يتحد حرف النون الساكن مع الحرف الذي يليه ويسقط من الكتابة، ففي كلمة "بنت" أسقط الكتّاب حرف النون من الكلمة، واكتفوا بهذا الشكل: