وليس في الأخبار عن الجاهلية خبر يفيد أن السدنة أو غيرهم من الساهرين على الأصنام والأوثان وبيوتها، ألفوا كتبًا في الوثنية وفي أحكامها وقواعدها. أما اليهود والنصارى، فقد كان لهم علماء يشرحون للناس في معابدهم أحكام دينهم، ويعلمونهم الكتابة والقراءة وما في كتبهم المقدسة من أوامر ونواه. فكان "أبو الشعثاء، وهو رجل ذو قدر في اليهود، رأس اليهود التي تلي بيت الدراسة للتوراة"١. وهو من يهود بني ماسكة. وكان آخرون بينهم يعلمونهم أحكام دينهم في بيت المدارس.
وفي لغة الجاهليين مفردات تستعمل في القراءة والكتابة، مثل: قلم، وقرطاس، ودواة، ومداد، ولوح، وصحف، وكتاب، ومجلة، وغير ذلك لا يشك في استعمال الجاهليين لها، لورودها في القرآن الكريم. وورودها فيه، دليل على استعمالهم لها. وورد بعضها أيضًا في الحديث النبوي وفي الشعر الجاهلي. ويفيدنا حصر هذه الألفاظ وضبطها في تكوين رأي علمي صحيح سديد في الكتابة والقراءة عند الجاهليين، والمؤثرات الخارجية التي أثرت في العرب في هذا الباب، وفي تكوين رأي قاطع في الجهة التي أمدت العرب كثيرًا أو قليلًا بعلمهم في قلمهم العربي الشمالي الذي يكتب به إلى هذا اليوم.
وأعتقد أن من واجب علماء العربية في هذا اليوم، العمل على حصر ألفاظ العلوم والحضارة والثقافة التي ثبت لديهم استعمال الجاهليين لها، وتعيين تأريخ استعمالها وأصولها التي وردت منها إن كانت أعجمية دخيلة, والاستشهاد بالأماكن التي وردت فيها، ففي هذا العمل العلمي, مساعدة كبيرة للباحثين على تشعب علومهم وموضوعاتهم في الوقوف على تطور الفكر العربي قبل الإسلام. ولا أقصد الإحاطة بالمفردات الواردة في الشعر الجاهلي أو القرآن الكريم أو الحديث النبوي أو معجمات اللغة وغيرها من الموارد الإسلامية وحدها، بل لا بد من إضافة المفردات الواردة في الكتابات الجاهلية التي عثر والتي سيعثر عليها إلى تلك المادة؛ لأنها مادة العصر الجاهلي وجرثومة اللغة، وبدونها لا تسعنا الإحاطة بلغة أهل الجاهلية وبتطور فكرهم أبدًا.
ومن يراجع الموارد العربية وعلى رأسها المعجمات، يدرك الصعوبات التي يلاقيها