للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعما إذا كان للجاهليين أدب منثور وعلم مدوّن؟ لقد ذهب بعض الباحثين إلى وجود هذا الأدب عند أهل الجاهلية، وتوقف بعض آخر، فلم يبد رأيًا في الموضوع، وتوسط قوم، فقالوا باحتمال وجود تدوين أو شيء منه عندهم، إلا أنهم أحجموا عن الحكم على درجة تقدمه واتساعه في ذلك العهد. لعدم وجود أدلة ملموسة يمكن اتخاذها سندًا لابداء رأي واضح علمي في هذا الموضوع.

وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أنه لو كانت هنالك مدوّنات في الأدب، لما خفي ذكرها وطغى اسمها حتى من ذاكرة أهل الأخبار، ومن أحاديث الرواة. أنه لو كان أهل الجاهلية قد زاولوا التأليف وتدوين العلم، لما اقتصر علم أهل الأخبار في الأدب على ذكر قطع من الحكم، يشك في صحتها، وعلى إيراد الشعر رواية وعلى رواية بعض القصص والأمثال، وسردهم كل شيء يتعلق بأمر الجاهلية رواية. وإنه لو كان لديهم تأليف منظم، لسار على هديهم من جاء بعدهم في الإسلام، ولسلكوا مسلكهم في التدوين: تدوين الكلام المنثور وتدوين الكلام الموزون المقفى، وحيث إن أحدًا لم يذكر اسم مدوّن من مدوّنات أهل الجاهلية، وحيث إن المسلمين لم يشرعوا بالتدوين إلا بعد حين، فلا يمكن لأحد النص بكل تأكيد على وجود تدوين عند الجاهليين١.

ولم نعثر على خبر في كتب أهل الأخبار يفيد أن أحدًا من الرواة والعلماء أخذ نص كلام حكيم من حكماء الجاهلية، أو خبر أو شعر من صحف جاهلية، أو من كتب ورثوها من ذلك العهد. أو خبر أو شعر من صحف جاهلية، أو من كتب ورثوها من ذلك العهد. هذا "قس بن ساعدة" الإيادي، مع ما قيل عنه من أنه كان كاتبًا قارئًا للكتب، واقفًا على كتب أهل الكتاب، خطيبًا عاقلًا حكيمًا، وأن العرب كانت تعظمه وضربت به شعراؤها الأمثال، وأنه كان خطيب العرب قاطبة، نجدهم يختلفون في خطابه المعروف، ويروونه بمختلف الروايات، حتى ذكر أن الرسول كان قد سمعه، وسمع خطابه، فلما جاء ذكره، وأراد أن يتذكر خطابه، وجد بين الصحابة اختلافًا في تلاوته؛ لأنه لم يكن مدوّنًا، ولو كان مدوّنًا لم يختلف فيه٢.


١ هاملتون جب، دراسات في حضارة الإسلام "٢٩٤ وما بعدها"، "دار العلم للملايين".
٢ الإصابة "٣/ ٢٦٤"، "رقم "٧٣٤٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>