للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال النابغة ذلك في مدح الغساسنة. ولما كان الغساسنة نصارى، فالمراد من المجلة إذن في هذا المكان، الكتب المقدسة. وتخصيص علماء اللغة المجلة بالصحيفة التي يكتب فيها الحكمة، هو تفسير نشأ عن عدم فهمهم للكلمة. وذلك أنها من الألفاظ المستعملة عند أهل الكتاب بمعنى كتاب ملفوف على طريقة تلك الأيام في استعمال الكتب الملفوفة، فظنوا أنها نوع خاص من الكتب خصص بالحكمة، لوجود مواعظ وحكم فيها، يستعملها رجال الدين في مواعظهم، ففسروها بهذا التفسير.

وقد أشير في كتب السير والأخبار إلى "مجلة لقمان"، وقيل: إنها حكمة لقمان. وأشير إلى أمثال لقمان١. والمجلة هي "مكلوت": و"مكلتو" MagaItho في العبرانية والسريانية٢. ويراد بها كرّاس ملفوف وملف مخطوطات، وكتاب من أصل GoIo بمعنى لف٣. وقد ذكر أن "سويد بن الصامت" كان يملك "مجلة لقمان"، "حكمة لقمان" وأنه لقي الرسول يومًا، فدعاه الرسول إلى الإسلام فقال له سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي. وكانت معه "مجلة لقمان" "حكمة لقمان". فقال له الرسول: إن هذا الكلام حسن، والذي معي أحسن منه وأفضل٤.

و"سويد بن الصامت" المذكور، رجل مثقف مهذب، ذو علم وفهم في أيامه وبين قومه. وقد عرف عندهم بالكامل، للخلال الحميدة التي كانت فيه. ولا يلقب بـ"الكامل" في الجاهلية إلا من كانت له صفات معينة. وصفه صاحب كتاب الأغاني، فقال: "وكان يقال له الكامل في الجاهلية. وكان الرجل في الجاهلية إذا كان شاعرًا شجاعًا كاتبًا سابحًا راميًا سمّوه الكامل. وكان سويد أحد الكملة"٥.

وكان كما يذكر أهل الأخبار حكيمًا كثير الحكم في شعره، حتى قيل: إن قومه إنما سمّوه "الكامل" لحكمة شعره وشرفه فيهم. وقد رووا له شعرًا في ذلك.


١ Ency., II, p. ٥٣.
٢ برصوم "ص١٦٣".
٣ غرائب اللغة "ص١٧٧".
٤ البلاذري "١/ ٢٣٨"، الروض الأنف "١/ ٢٦٥".
٥ الأغاني "٢/ ١٦٤"، "طبعة الساسي".

<<  <  ج: ص:  >  >>