للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصارى: يعني أحداثكم"١. وفي هذا الحديث إن صح دلالة على أن قراءة الكتب كانت منتشرة في ذلك العهد. ولا تعني جملة "كتب النصارى" الكتب الدينية بالضرورة، إذ قد تعني كل ما كان يتداوله النصارى من كتب في ذلك العهد. وقد يكون من بينها مؤلفات في الفلسفة وفي الطب وفي فروع المعرفة الأخرى التي كان الناس يتدارسونها إذ ذاك.

وفي الآية: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا, قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} ٢، دلالة صريحة على وجود الكتب والأساطير عند الجاهليين. فلما نزل القرآن، قال المشركون: "إن هذا إلا إفك افتراه محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا الذي جاءنا به محمد أساطير الأولين، يعنون أحاديثهم التي كانوا يسطرونها في كتبهم. اكتتبها محمد -صلى الله عليه وسلم- من يهود، فهي تملى عليه، يعنون بقوله: فهي تملى عليه، فهذه الأساطير، تقرأ عليه، من قولهم أمليت عليك الكتاب، وأمليت بكرة وأصيلًا، يقول وتملى عليه غدوة وعشيًّا. وقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بآيات الله من مشركي قومك ما الأمر كما تقولون من أن هذا القرآن أساطير الأولين، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، بل هو الحق أنزله الرب الذي يعلم سر من في السموات ومن في الأرض ولا يخفى عليه شيء"٣. وزعموا أن الرسول اكتتب القرآن من "أساطير الأولين"، وهي أحاديث سطرها المتقدمون كأخبار الأعاجم، "فهي تقرأ عليه أو كتبت له"٤، وقالوا: "ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين وأحاديثهم"٥. وكانوا يروون الأساطير وأحاديث الخلق، وهي الخرافات من الأحاديث المفتعلة، فرمى المشركون الرسول بهذه القرية٦.


١ تاج العروس "٣/ ٥٧"، "بكر".
٢ الفرقان، الآية ٥.
٣ تفسير الطبري "١٨/ ١٣٧ وما بعدها".
٤ تفسير النيسابوري "١٨/ ١٢٥ وما بعدها"، "حاشية على تفسير الطبري"، تفسير الألوسي "١٨/ ٢١٣".
٥ تفسير الطبري "١٩/ ٦٠"، تفسير الألوسي "١٩/ ١٠٠".
٦ اللسان "١٠/ ٨٨"، "خلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>