للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها إذا تلاقوا، كما كانوا يحتفظون بكتبهم المقدسة، وبكتب أخرى مدوّنة بلغتهم. وقد ذكر علماء التفسير اسم رجل زعمت قريش أنه كان هو الذي يعلم الرسول ويلقنه القرآن. وإليه الإشارة في الآية: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} ١. وهي في سورة النحل، وسورة النحل من السور المكية. "كانوا يزعمون أن الذي يعلم محمدًا هذا القرآن عبد رومي"، "وكان صاحب كتب، عبد لابن الحضرمي"، "فكان المشركون يرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يدخل عليه وحين يخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه"٢.

وقد ذهب "شبرنكر" إلى وجود "صحف إبراهيم" عند الجاهليين، زعم أن الرسول قرأها وأخذ منها. وقد رد على رأيه هذا "نولدكه"، بقوله: لو فرضنا أن محمدًا أخذ من هذه الصحف، ونسبه لنفسه وادعاه، على أنه وحي أوحى الله به إليه، لو فرضنا ذلك، فإن من غير المعقول عندئذ ذكر محمد لتلك الصحف في القرآن؛ لأن ذكرها فيه معناه إرشاد الناس إلى المورد الذي أخذ منه واتهام نفسه، ولهذا فلا يعقل الأخذ بكلام "شبرنكر"٣.

وورد في كتب أهل الأخبار أن "الأحناف" كانوا يقرءون الكتب، وتبحروا في التوراة والإنجيل، ومنهم من وقف على لغة "بني إرم" وعلى العبرانية. ومن هؤلاء "ورقة بن نوفل بن أسد"، "الشاعر صاحب العلم في الجاهلية. وكان قد قرأ الكتب وتبحر في التوراة والإنجيل، وهو الذي لقيته خديجة في أمر النبي"٤.

وورد في بعض الأخبار في تفسير الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} ٥ أن هذه الآية إنما نزلت في قوم كانوا يشترون الكتب من أخبار السمر والأحاديث القديمة، ويضاهون بها القرآن، ويقولون: إنها أفضل منه٦. وفي هذا الخبر دلالة على وقوف الجاهليين


١ النحل، الرقم ١٦، الآية ١٠٣.
٢ تفسير الطبري "١٤/ ١١٩ وما بعدها".
٣ Noldeke, l, S. ١٧, Sprenger, Lebens Muhammad, II, S. ٣٦٧.
٤ الاشتقاق "١٠٢".
٥ سورة لقمان، الآية ٦.
٦ العقد الفريد "٦/ ٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>