للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الكتب واستعمالهم لها، وخاصة كتب السمر والأحاديث القديمة، إذ لا يعقل أن يكون شراؤهم لها حادثًا طارئًا، ظهر عندهم بنزول القرآن.

وذكر بعض المفسرين أن الآية المذكورة نزلت في حق "النضر بن الحرث وكان يتجر إلى فارس، فيشتري كتب الأعاجم: رستم واسفنديار فيحدث بها قريشًا. وقيل: كان يشتري المغنيات، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول أطعميه وأسقيه وغنّيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك محمد إليه من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه"١.

وإذا صح ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن هذه الآية قد نزلت بحق "النضر" لأنه كان يعاند الرسول ويعارضه وقت يكون مجتمعًا بنفر من الناس يلقي عليهم مبادئ الإسلام، فيقرأ عليهم من كتب الأعاجم ومن قصص: رستم واسفنديار فإن ذلك يدل على أنه كان يتقن الفارسية، وأنه كان يمتلك كتب الفرس ويقرأ بها وهو بمكة، ويترجم ما جاء فيها لمن يتجمع حوله. وأنه اشترى جملة كتب خلال تجاراته مع العراق.

فنحن إذن أمام أقدم مترجم يصل إلينا خبره من مترجمي العرب قبل الإسلام بمكة. يقوم بترجمة كتب من الأعجمية إلى العربية. ويكون بذلك قد سبق المسلمين بزمن طويل في ترجمة كتاب رستم واسفنديار إلى العربية. غير أننا يجب أن نتحفظ ونحترز كثيًرا في قولنا هذا. فنحن لا نقصد أنه ترجم كتاب رستم واسفنديار ترجمة تدوين وتحبير، وبالتمام والكمال. فقول مثل هذا يكون قولًا جزافًا، لا يستند إلى علم أو دليل إن قلته. وإنما أقصد ترجمة شفوية على نحو ما ذكره وأورده المفسرون وأصحاب السيرة. وقد ترجم هذا الكتاب في الإسلام. ترجمه جبلة بن سالم٢.

ولا أعتقد أن رجلًا مثل الحارث بن كَلَده الثقفي، أو ابنه النَّضر، وهما من العلماء بالطب، لم يرجعا إلى مؤلفات في الطب مدوّنة بلغة من اللغات الأعجمية، للحصول على علمهما في الطب، وكيف يمكن ذلك، وقد درسا في مدرسة لم تكن


١ تفسير النيسابوري، حاشية على تفسير الطبري "٢١/ ٥٢"، سيرة ابن هشام "١/ ٣٨٣ وما بعدها"، تفسير القرطبي "١٤/ ٥٢".
٢ الفهرست "٤٣٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>