للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن معان معينة في القرآن الكريم، وما يميز القرآن الكريم والحديث النبوي العارفين بلفظة علماء، لتمييزهم عن السواد. وبهذا المعنى وردت لفظة "عالم" وعلم عند العبرانيين١.

ولا أستبعد تأثر المثقفين الجاهليين ومن كان على اتصال بالعجم وباليهود والنصارى بالآراء الفلسفية والدينية وبالجدل الذي وقع بين المذاهب النصرانية في أمور عديدة. فقد خالط الجاهليون، ولا سيما في بلاد العراق وبلاد الشأم، أقوامًا عديدة ذات ثقافات متباينة، واحتكوا بها، وأخذوا منها، فلا يعقل ألا يتأثروا ببعض آرائهم في الكون وفي الحياة وفي سائر نواحي التفكير. وقد وردت في شعر للأعشى وفي شعر لبيد، فكرتان متناقضتان عن الجبر والاختيار، فذهب الأعشى في هذا البيت.

استأثر الله بالوفاء وبالعد ... ل وولى الملامة الرجلا

مذهب القائلين بالاختيار، أي: إن الإنسان مختار قادر على أفعاله. أما الأعشى فذهب مذهب الجبرية القائلين بأن الإنسان مُجْبر، مسير، وذلك في قوله:

إن تقوى ربنا خير نقل ... وبإذن الله ريثي وعَجَل

من هداه سُبُل الخير اهتدى ... ناعم البال، ومن شاء أضل٢

وقد سبق أن ذكرت في مواضع متعددة من هذا الكتاب أن أكثر من نُسِب إلى التوحيد، أي: من ينعتهم أهل الأخبار بالحنفاء، كانوا يقرءون ويكتبون، وكانت عندهم كتب أهل الكتاب، وأن أكثرهم كانوا أصحاب رأي وفكر في الخلق. وفي هذا العالم. ولكنهم لم يدخلوا في يهودية ولا في نصرانية؛ لأنهم لم يجدوا في الديانتين شيئًا يُفرِّج ويُرفِّه عما كان يجول في رءوسهم من آراء ومقالات عن الخالق والكون. وقد جالس هؤلاء رجال اليهود والنصارى، وتكلموا معهم في أمور عديدة من أمور الفكر والدين في جزيرة العرب وفي بلاد العراق وبلاد الشأم. وينسب لجندب بن عمرو بن حممة، وهو من دوس، أنه كان يقول في الجاهلية:


١ Hastings, Dict. Of the Bible, p. ٨٣١.
٢ العقد الفريد "٢/ ٣٧٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>