للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محتويات تلك المجلة ونوع الحكم التي احتوتها.

فقد روي "أن سويد بن صامت قدم مكة حاجًّا أو معتمرًا، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشرفه ونسبه ... فتصدى له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين سمع به، فدعاه إلى الله والإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "وما الذي معك؟ " قال: مجلة لقمان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أعرضها عليَّ"، فعرضها عليه، فقال له: إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله عليَّ، هو هدًى ونور. فتلا عليه رسول الله القرآن، ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه. وقال: إن هذا لقول حسن. ثم انصرف عنه، فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتلته الخزرج" وكان قتله قبل يوم بعاث١.

والمجلة: الصحيفة فيها الحكمة، وكل كتاب عند العرب مجلة٢، وقيل: "كل كتاب حكمة عند العرب مجلة". قال النابغة:

مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب٣

وبالنظر إلى اشتهار لقمان في الأدب العربي بالحكمة عن طريق ضرب الأمثال, ونظرًا لظهور أمثال كثيرة في الإسلام نسبت إليه، فإن من المحتمل أن تكون تلك المجلة التي زعم أنها كانت عند "سويد" مجموعة من حكم وأمثال. لا ندري من جمعها فنسبها إليه، لعدم إشارة أهل الأخبار إلى ذلك، ولا يستبعد أن تكون هذه الأمثال من الأمثال المنتزعة من التوراة أو من الإنجيل أو من كليهما، فدوّنت في مجلة, أي: في كراسة أو كتاب فنسبها أهل الأخبار إليه. نظرًا لما جاء في القرآن الكريم من نسبة الحكمة إليه. وقد تكون تلك المجلة من حكم الحكيم "أحيقار"، الحكيم الشهير صاحب الأمثال الذي كان مقربًا إلى الملك "سنحاريب" ومستشارًا له. فله في أدب "بني إرم" ذكر خاص، وله أمثال في الإرمية طبعت وترجمت إلى جملة لغات. وعرفت أمثاله في العربية كذلك. في أيام


١ ابن هشام، سيرة "١/ ٢٦٥ وما بعدها"، "حاشية على الروض"، الفائق "١/ ٢٠٦".
٢ تاج العروس "٧/ ٢٦١"، "جلل".
٣ الفائق "١/ ٢٠٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>