للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر من دراسة بعض آخر من الحكم المنسوبة إلى الجاهليين أنها من أصل فارسي. ولا يستبعد أن تكون قد دخلت من الأدب الفارسي القديم إلى عرب العراق، وقد عاشوا قبل الإسلام في اتصال وثيق مع الفرس. وكان بعض العرب قد أتقنوا الفارسية وأجادوا فيها، كما أن من الفرس من كان قد تعلم العربية وبرع فيها. ثم إن بين ذوقي العرب والفرس تشابه في نواح من الأدب، ولهذا كان أثر الأدب الفارسي في الأدب العربي أكبر وأظهر من أثر الأدب اليوناني فيه.

ونجد في الحكم المنسوبة إلى "أحيقار"، شبهًا لها في الحكم العربية القديمة، وترجمة أصيلة لبعض حكمه أحيانًا. خذ قوله: "يا بني إذا أرسلت الحكيم في حاجة، فلا توصه كثيرًا؛ لأنه يقضي حاجتك كما تريد. ولا ترسل الأحمق، بل امض أنت واقض حاجتك"١. ولو درست بقية حكمه، وما ورد في الحكم المنسوبة إلى الجاهليين، ترى شبهًا كبيرًا في المعنى بل وفي اللفظ في الغالب، مما يدل على أنها ترجمة أخذت من السريانية فعربت ونسبت إلى الجاهليين، أو أن الجاهليين وقفوا عليها فصاغوها بلسانهم، فنسبت إليهم. وأكثر حكمه موجهة إلى ابن أخته "نادان"، حيث يعظه فيقول: "يا بني ... ".

غير أن علينا ألا ننسى، بأن من الحكم، ما هو عام، يرد على خاطر أغلب الشعوب، وعلى لب أكثر الناس، حتى وإن لم يكونوا من المثقفين الدارسين؛ لأنه مما يتشارك فيه العقل الإنساني، فيكون عالميًّا إنسانيًّا. ولهذا، فنحن لا نستطيع أن نردّه إلى أحد، ولا أن نرجعه إلى مرجع معين. ولا نستطيع أن نقول: إن العرب أخذوه من غيرهم، أو إن الأعاجم أخذوه من العرب. بسبب ما ذكرته من كونه من نتاج عقل واحد، هو القاسم المشترك بين عقول الإنسان.

وإذا صح ما روي من أن "سويدًا بن الصامت" المعروف بـ"الكامل"، كان يملك "مجلة لقمان"، وقد أراها الرسول مقدمة عليه بمكة، وما ذكر من أنها كانت في الحكمة٢. فتكون هذه المجلة، أو الكتاب، أقدم شيء يصل اسمه إلينا من الكتب التي تداولها أهل الجاهلية. ولم يذكر الرواة -ويا للأسف-


١ أغناطيوس إفرام الأول برصوم، اللؤلؤ المنثور في تأريخ العلوم والآداب السريانية "٦٧"، "حمص ١٩٤٣"، تأريخ كلدو وآثور "١/ ١١٣ وما بعدها"، "٢/ ٤٠".
٢ الروض الأنف "١/ ٢٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>