للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم كان قد وصل العراق وبلاد الشأم وخالط الأعاجم، كما كان من الأعاجم من سكن مكة والقرى العربية الأخرى لأغراض مختلفة، ومنهم من كان على فقه بعلوم قومه، ومعرفة علمية بلغتهم، فلا يستبعد إذن تعلم من كان فيه ميل من العرب إلى العلم والثقافة، العلم والفلسفة والنظر من تلك البلاد التي زاروها، ومن هؤلاء.

وذكر أن "النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف" العبدري القرشي كان من حكماء قريش. وقد استشهد يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة. وكان أخوه "النضر بن الحارث"، شديد العداوة للرسول، فقتله عليٌّ يوم بدر كافرًا، قتله بالصفراء١.

وروى "عُمران بن حصين"، "عمران بن الحصين"، حديثًا عن رسول الله، هو: "الحياء لا يأتي إلا بخير"، فقال "بشير بن كعب، وكان قد قرأ الكتب: إن في الحكمة: أن منه ضعفًا. فغضب عمران، وقال: أحدثك بما سمعت من النبي، وتحدثني عن صحفك هذه الخبيثة"٢. ويظهر أن "بشيرًا" هذا كان ممن طالع كتب أهل الكتاب ووقف على الحكمة.

وقد ذكر الأخباريون أسماء أناس آخرين عرفوا بالحكمة كذلك، مثل: أكثم بن صيفي التميمي، من رؤساء تميم ومن "حكام العرب"٣. ويلاحظ أن الأخباريين يخلطون في الغالب بين الحكيم والحاكم، فيجعلون "حكّام العرب" من "حكماء العرب" ويذكرون أحكامهم في باب الحكم. كذلك نسبوا معظم خطباء الجاهلية إلى الحكمة كذلك، مما يدل على أن للحكمة عند الأخباريين معنًى واسعًا، يشمل كل ما فيه عظة وتعليم. وقد كان العبرانيون وبقية الساميين يجعلون الحكام من طبقة الحكماء؛ لأن الحاكم لا بد وأن يكون حكيمًا، أي: مدركًا فطنًا نافذًا إلى بواطن الأمور، يحكم عن عقل ناضج وعن رأي مصيب، فهم أولى وأقدر على إبداء الأحكام الصحيحة من غيرهم، ولهذا نجد ارتباطًا كبيرًا في المعنى وفي اللفظ بين لفظتي حاكم وحكيم.


١ الاستيعاب "٣/ ٥٣٥ وما بعدها"، الإصابة "٣/ ٥٢٥"، "رقم ٨٧١٣".
٢ مصادر الشعر الجاهلي "١٦٨ وما بعدها".
٣ بلوغ الأرب "٣/ ١٧٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>