للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المودة"١. وقد عدّ أسلوب كلامه من أرشق أساليب الفصحاء، ومن أحكم كلام، فيه نصائح وحكم مع بلاغة متناهية وفصاحة. ونسبوا له خطبًا منمقة٢، هو في نظري من هذا النثر المصنوع، الذي وضع على لسانه في الإسلام.

وقد اشتهرت "تميم" بكثرة حكمائها٣، ونلاحظ أن هؤلاء الحكماء كانوا حكامًا كذلك، يحكمون بين الناس فيما يقع بينهم من شجار. ومعنى هذا أن بين الحكمة والحُكم عند العرب الجاهليين صلة متينة. وقد رأيت أن تميمًا كانت قد احتكرت لنفسها الحكومة في سوق عكاظ على ما يذكره أهل الأخبار. وهم من القبائل المتقدمة بالنسبة إلى القبائل الأخرى التي كانت عند ظهور الإسلام، انتقلت إليها هذه الحكومة من "بني عدوان"، الذين كان آخر حكامهم "عامر بن الظرب" العدواني.

وقد كان لاتصال أهل الأخبار بتميم، دخل ولا شك في كثرة أسماء حكمائها التي وصلت إلينا من خلال دراستنا لكتبهم، فقد كان اتصالهم بها أكثر من اتصالهم بأية قبيلة أخرى، لوجودها على مقربة من الكوفة والبصرة، ولذلك أكثروا اللغة عنها، حتى صرنا نعرف نعرف من أمور نحوها ولغتها ما لا نكاد نعرفه عن نحو ولغة أية قبيلة أخرى. ولرجال تميم خطب طويلة، في الحكم، هي تأملات وخاطرات وضعت على ألسنتهم في الإسلام، إذ لا يعقل كما سبق أن قلت في مواضع متعددة من هذا الكتاب وصول نصوص نثر، بهذا النوع من الضبط والتحري عن أهل الجاهلية حتى نحكم بصحة نصوص ما نسب إلى حكماء تميم. نعم قد يقول قائل: إن الشاعر "بشر بن أبي خازم" كان قد أشار إلى "كتاب بني تميم"٤، فلا يستبعد أن يكون "بنو تميم" قد سجلوا خطب وأشعار سادتهم فيه، ولكني أقول: إن من العلماء من نسب هذا العشر إلى "الطرماح بن حكيم" وهو شاعر إسلامي، توفي في حوالي السنة "١٠٥"، وإننا حتى لو فرضنا أن ذلك الشعر هو للطرماح، وأنه يدل على وجود كتاب قديم عند


١ البيان "٢/ ٧٠".
٢ بلوغ الأرب "٣/ ١٧٢".
٣ Goldziher, History of classical Arabic Literature, p. ٧.
٤ المفضليات "٩٨"، الأمثال، للميداني "١/ ١٣٧"، العسكري، جمهرة الأمثال "٢٨٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>