للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن توجيه، ومثل أخلاقية للسير على هديها في الحياة١. وقد ضربت التوراة الأمثال للناس للاتعاظ بها والأخذ بما فيها من عبر. ورد في سفر "حزقيال": "هو ذا كل ضارب مثل يضرب مثلًا عليك قائلًا: مثل الأم بنتها"٢، وجاءت الأمثال في الأناجيل فورد: "في هذا يصدق القول: إن واحدًا يزرع وآخر يحصده"٣.

وقد لخص الإصحاح الأول من سفر "الأمثال" الغاية من ضرب الأمثال بقوله: "لمعرفة حكمةٍ وأدبٍ، لإدراك أقوال الفهم، لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة، لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبرًا، لفهم المثل واللغز وأقوال الحكماء وغوامضهم: مخافة الرب رأس المعرفة. أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب"٤. فالأمور المذكورة، تمثل الغاية التي يتوخاها ضراب الأمثال من الأمثال: وقد جعلت أسفار الأمثال المثل: مخافة الرب رأس المعرفة أول أمثالها: وهو في العربية: رأس الحكمة مخافة الله.

ونجد في سفر "أمثال" كلامًا للحكماء، هو مزيج من أمثلة وحكم وألغاز، دون أن يشير إلى أسماء أصحابه٥، ونجد مثل ذلك في الأدب العربي. وقد اشتهر أبناء الشرق بالحكمة عند العبرانيين.

والمثل بعد، هو عقل ضاربه، وثقافة البيئة التي ظهر فيها. ولهذا نجد الأمثال متباينة مختلفة حسب تنوع القوم الذين ظهر بينهم. ففي البيئة التجارية يكون المثل من هذه البيئة في الأغلب، وفي البيئة الزراعية يكون المثل مشربًا بروح المزارعين، وفي البادية تكون الأمثال ذات طبيعة بدوية. ومن هنا اختلفت أمثال قريش عن أمثال الأعراب، وأمثال عرب العراق عن أمثال أهل العربية الجنوبية، وهكذا. ولهذا فإن للمثل في نظر المؤرخ قيمة كبيرة من حيث إنه يرشده إلى مظاهر تفكير من ضرب بينهم، ويعرفه بمبلغ ثقافة قائليه.

ولما كانت الأمثال مرآة لعقلية زمانها ولعقلية من ينسب قول المثل إليه، أو من


١ Hastings, p. ٧٦٧.
٢ حزقيال، الإصحاح السادس عشر، الآية ٤٤.
٣ إنجيل يوحنا ٤، الآية ٣٧.
٤ أمثال، الإصحاح الأول، الآية الأولى وما بعدها.
٥ أمثال، الإصحاح الثاني والعشرون، والإصحاح الرابع والعشرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>