للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرب به المثل. تباينت في البلاغة وفي قوة التعبير وعمق المعنى، وفي الفكرة، فصار بعضها آية في الحكمة وفي قوة البيان وفي عمق المغزى والمعنى، وصار بعض منها بسيطًا تافهًا. ونجد هذه الحالة في أمثال كل الأمم. إذ إن المثل لا يصدر عن طبقة معينة، بل قد يأتي من رجل جاهل بسيط، وقد ينسب إلى غبي بليد أو إلى شخص من سواد الناس اتخذ رمزًا للتعبير عن ناحية من نواحي الحياة، أو نموذجًا يعبر عن طبقة من الطبقات. وإنما المهم في رواج المثل وفي بقائه، أن يكون منبعثًا عن واقع حال، معبرًا عن رأي سديد، قصير قدر الإمكان مركزًا له وقع حسن على السمع، يصلح أن يكون مثلًا لكل زمان ومكان. فيروج ويدوم، وقد يتخذ مثلًا من أمثلة الحكمة، وهو كلما قصر، سهل حفظه وطال عمره.

وأفضل المثل السائر: أوجزه، وأحكمه: أصدقه، وقولهم: مثل شرود، وشارد، أي: سائر لا يرد كالجمل الصعب الشارد الذي لا يكاد يعرض له ولا يرد. وقد تأتي الأمثال محكمة إذا تولاها الفصحاء من الناس، وإذا جاءت في الشعر، سهل حفظها١.

والأمثال مادة مهمة غنية في الأدب الجاهلي والإسلامي. وفي القرآن الكريم أمثلة كثيرة ضربت للناس للتفكر والتعقل، وهي تدل على ما لها من أهمية تعليمية في العقل العربي. والأمثال المضروبة مرجع لمن يريد الوقوف على بعض الأمثلة التي استعملها الجاهليون. وفي الحديث النبوي مادة مهمة تمدّ هذا الباحث بمادة غزيرة عن المثل عند الجاهليين٢.

و"الأمثال من حكمة العرب في الجاهلية والإسلام، وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في النطق بكناية بغير تصريح، فيجتمع لها بذلك ثلاث خلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه"٣. فالأمثال إذن عند الجاهليين نوع من أنواع الحكمة السائرة بين الناس. يقولها السيد والمسود، البارز والخامل، وهي تحفظ بسهولة ولا يحتاج المرء لتعلمها إلى


١ العمدة "١/ ٢٨٠ وما بعدها".
٢ المستطرف في كل فن مستظرف "١/ ٢٧ وما بعدها".
٣ المزهر "١/ ٢٣٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>