للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهارة وذكاء. وكان لحفّاظ الأمثال مقام عندهم؛ لأنهم ممن وهبوا بيانًا ناصعًا وقوة في اللسان، تمكن صاحبه من ضرب المثل في موضعه، ومن قوله في مكانه. والعادة أن يكثر الحكيم من الأمثال في كلامه؛ لأنها المادة التي يستعين بها في إظهار حكمته وعقله، يضيف عليها أمثالًا من عنده، هي من وحي تجاربه وقوة ملاحظته.

وقد وردت كلمة "مثل" و"أمثال" في مواضع كثيرة من القرآن، وفي ورود الكلمتين بهذه الكثرة دلالة بالطبع على ما كان للمثل من أهمية كبيرة عند الجاهليين. وفيه أمثلة كثيرة ضربت للعبرة والتذكر، لتكون درسًا يتعظ به أولو الألباب. ويلاحظ أن العرب يضعون لفظة "ضرب" قبل كلمة المثل في الغالب، ورد في القرآن الكريم {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} ١، و {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} ٢، وورد {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} ٣، و {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال} ٤، و {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} ٥، وفي مواضع أخرى منه. وضرب المثل إيراده ليتمثل به ويتصور ما أراد المتكلم بيانه للمخاطب. يقال: ضرب الشيء مثلًا وضرب به وتمثله وتمثل به. وضرب المثل اعتبار الشيء بغيره وتمثيله به٦.

وقد أشاد العلماء بما للأمثال من أهمية في الحث على إصلاح النفس، فقال بعضهم: "إنما ضرب الله الأمثال في القرآن تذكيرًا ووعظًا"، وقال بعض آخر: "ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد من العقل، وتصويره بصورة المحسوس ... إلخ". وروي أن الرسول قال: "إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال" ٧.

وجعل "الماوردي" الأمثال من أعظم علم القرآن٨.


١ إبراهيم، الرقم ١٤، الآية ٢٤.
٢ النحل، الرقم ١٦، الآية ٧٥ وما بعدها، ومواضع أخرى.
٣ إبراهيم، الرقم ١٤، الآية ٤٥.
٤ النحل، الرقم ١٦، الآية ٧٤.
٥ الحشر، الرقم ٥٩، الآية ٢١.
٦ تاج العروس "١/ ٣٤٧"، "ضرب".
٧ السيوطي، الإتقان "٤/ ٣٨".
٨ المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>