للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشكرون آلهتهم ويتقربون إليها بالذبائح والنذور عند عثورهم على الماء في الأرضين التي يحفرون فيها الآبار. ولهذا قدسوا الآبار وأسبغوا عليها القدسية، وتقربوا لها بالنذو والهدايا، وعدوُّا مياهها شافية نافعة مقدسة. والبئر ثروة تدر على أصحابها المال. وقد يبارك الكهان والرؤساء تلك الآبار، لتنعم على أصحابها بالماء الغزير.

وقد كان "المحققون" "محققيم"، وهم الرؤساء عند العبرانيين، يحضرون الاحتفالات، ويشكرون إله إسرائيل عند ظهور الماء في الآبار، على نحو ما يفعله العرب في مثل هذه الأحوال١.

وقد لجأ الجاهليين إلى التحايل في استصلاح الماء الأجاج أو الكدر، للاستفادة منه في الشرب، فذكر إذا كانت بهم حاجة ماسة إلى الماء، ولم يجدوا إلا ماء البحر أو الماء الأجاج الملح، وضعوه في قدر، ووضعوا فوق القدر قصبات وعليها صوف منفوش، ثم يوقد تحت القدر، حتى يرتفع البخار، فيدخل مسامات الصوف، ويمتلئ به. فإذا كثر، عصر في إناء، ولا يزال على هذا الفعل حتى تتجمع كمية من الماء العذب، وتترسب الأملاح في القدر. وذكر أيضا أنهم كانوا يحفرون في الشاطئ حفرة واسعة، ليترشح إليها ماء البحر، ثم إلى جانبها وقريب منها حفرة أخرى يترشح إليها الماء من الثانية، ثم تحفر حفرة ثالثة، وهكذا حتى يعذب الماء.

أما الماء الكدر، فقد كانوا يتخلصون من كدرته بإلقاء مواد فيها لتعلق الكدرة بها، فإذا رسبت، رسبت الكدرة معها، وبذلك يتنقى الماء. وفي جملة المواد التي استعملوها الجمر الملتهب، يلقى به في الماء، فإذا انطفأ وتحول إلى فحم، أخذ معه ما يجده من الكدرة، فيصفو بذلك الماء، واستعملوا نوعًا من الطين وسويق الحنطة٢.

وقد عرفت هذه الفراسة، فراسة استنباط الماء من الأرض، بالأمارات الدالة على وجوده، على نحو ما ذكرت من شم التربة، أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بمراقبة حركات الحيوان، ويقال لها: الريافة٣.


١ Ency. Bibli, Vol., I., P. ٥١٥
٢ بلوغ الأرب "١/ ٣٩٦".
٣ بلوغ الأرب "٣/ ٣٤٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>