للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القديمة سمّوها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق شهر رمضان أيام رمض الحر، فسمي بذلك"١، ولم يعرفوا أن ذلك بسبب اتباع الإسلام التقويم القمري، مما دعا إلى تحرك الشهور وتنقلها في الفصول، لكون الشهور القمرية غير ثابتة على نمط الشهور الشمسية.

ويبدأ الجاهليون بالمحرم، فهو أول السنة عندهم٢، وهو أيضًا الشهر الأول من شهور السنة الهجرية في الإسلام. وأرى أن اتخاذ المسلمين للمحرم، مبدءًا للسنة الأولى من الهجرة، وجعله الشهر الأول من التقويم الهجري، هو من الأمور التي أبقاها الإسلام من أمور الجاهلية، لأن هجرة الرسول إلى المدينة لم تكن في شهر "محرم" حتى نقول: إن المسلمين جعلوا "المحرم" الشهر الأول من السنة الهجرية، لهذه المناسبة، إذ كانت الهجرة في شهر ربيع الأول، وأرخ بها٣، لذلك يكون الابتداء بشهر محرم، هو إقرار لما كان عليه الجاهليون من ابتدائهم بـ"محرم"، مبدءًا لشهور السنة. وقد قيل: إن وصوله المدينة كان يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول، وقيل: لثنتي عشرة منه، وقيل: دخل لهلال ربيع الأول، وقيل: غير ذلك٤.

وقد أورد العلماء شروحًا وتفسيرات لمعاني الشهور المتقدمة الجاهلية، والشهور التي استعملت في الإسلام واقترنت بالتقويم الهجري. فذكروا مثلًا أن المؤتمر معناه أن يأتمر بكل شيء مما تأتي به السنة من أقضيتها. وناجر من النجر، وهو شدة الحر، وخوان من الخيانة، وصوان من الصيانة، والزباء بمعنى الداهية العظيمة المتكاثفة سمي بذلك لكثرة القتال فيه وتكاثفه، والبائد سُمي لأنه كان يبيد فيه كثير من الناس، وكانوا يستعجلون فيه ويتوخون بلوغ ما كان لهم من الثأر والغارات قبل دخول شهر رجب وهو شهر حرام، والأصم لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال فلا يسمع فيه صوت سلاح. والواغل الداخل على شراب ولم يدعوه، وذلك لهجومه على شهر رمضان، وكان يكثر في رمضان شربهم


١ المزهر "١/ ٢٢٠".
٢ مروج الذهب "٢/ ١٨٨"، "ذكر سني العرب وشهورها وتسمية أيامها ولياليها".
٣ تاريخ الطبري "٤/ ٣٨"، اليعقوبي "١/ ١٣٥"، "أيام عمر بن الخطاب"، ابن هشام، سيرة "٢/ ١٥"، "حاشية على الروض".
٤ إمتاع الأسماع "١/ ٤٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>